ليس صعباً أن تكون جزءاً من كواليس مسلسل «باب الحارة» بعد اليوم، فأبو غالب بائع البليلة والنمس وأبو حاتم جميعهم حاضرون بشخصيات سورية تقمصت بعضاً من أدوار «باب الحارة» حفاظاً على ما تبقى من الموروثات السورية في أرض اللجوء.
ففي قلب مدينة إربد الأردنية تعيش مجموعة من اللاجئين السوريين الذين نقلوا إرثهم الفني من بلادهم إلى الأردن بعد أن عاشوا أياماً صعبة دفعتهم إلى تبديد رتابة الأيام عبر تقديم العراضات السورية بكل ما تحمله من تفاصيل مرتبطة بالحياة السورية القديمة.
وما أن تتعمق في حواري إربد، تأخذك أصوات الطبول إلى «حمام الساحة» الذي تتمركز فيه فرقة العراضة الدمشقية لتمارس طقوساً فنية تعود إلى مئات السنين ووسط مكان يعبق برائحة الحارة الشامية كما بقيت عامرة في ذاكرتهم.
وجدت فرقة «العراضة الدمشقية» في موقع «حمام الساحة» ضالتها، خصوصاً أنه بُني قديماً على الطراز السوري، إذ يتميز بالبُنى الحجرية والسقف العالي الذي لا يخلو من الزخارف الأندلسية ناهيك بالنافورة التي تتوسط المكان.
أجواء متكاملة دفعت الفرقة إلى استرجاع ما كانوا يفعلونه في سورية، فمرافقة العريس من الحمام إلى السوق ومن ثم إلى موقع زفافه عبر الأهازيج الشعبية جزء لا يتجزأ من يوميات الفرقة التي وجدت في نقل العراضة السورية إلى الأردن متنفساً وحيداً لها.
تلك الأهازيج السورية تمثلت قديماً في الموشحات الأندلسية الدينية المعتمدة على الكلمات الفصيحة لا سيما أغنية «يمر عجبا» و «إملالي الأقداح»، إضافة إلى القدود الحلبية الشعبية التي تتميز بإيقاعها السريع وسهولة الكلمات كأغنية «طيري طيري يا حمامة» و «على العقيقة اجتمعنا» وغيرهما.
ويقول مؤسس فرقة «العراضة الدمشقية» محمد أحمد لـ «الحياة»، إن العراضة موروث سوري انتشر في الأعراس واستقبال الحجاج في سورية، مضيفاً أنه منذ لجوئه هو ومجموعته إلى الأردن شكلوا فرقة جديدة تنقسم إلى أقسام عدة.
ويوضح أحمد أن الفرقة تنقسم إلى تجسيد أدوار أبرز شخصيات مسلسل «باب الحارة»،
ورقصة الدراويش، والاستعراض بالسيف ودق الطبول بالشراكة مع فرقة الأناشيد التي تتكون من خمسة منشدين سوريين، مشيراً إلى أن كل هذه الفعاليات تقام إما بطلب لمناسبة ما أو بشكل شخصي لمجرد الترفيه في «حمام الساحة».
ويقول صاحب «حمام الساحة» عبد الحافظ حمزة، إن الفرقة انطلقت من الحمام التراثي حيث بدأت فعالياتها منذ 3 سنوات بطريقة فردية إلى أن ذاع صيتها في مدينة إربد وأصبحت تطلب في مناسبات الزفاف واستقبال الحجاج وغيرها، مشيراً إلى أن الحمام أصبح مقصداً لمحبي الأغاني والتراث السوري.
وتقدم الفرقة فقرة الحكواتي أيضاً التي اشتهرت فيها المجالس السورية بعد أن تنتهي من جميع فعالياتها الغنائية والاستعراضية، فالحكواتي الذي يمتاز بكبر سنه يبدأ في سرد قصصه مساء أمام الحاضرين المتشوقين لسماع قصة جديدة.
ويعبّر الحكواتي في العراضة الدمشقية أكرم عسّاف عن مدى حبه لتجسيد الدور ضمن فقرات الفرقة، ويقول إن هذه الشخصية تعود به إلى أيام الشام القديمة والحواري الشعبية كما يحرص على تذكير الناس بهذه الشخصية المرتبطة بالتراث السوري.
الحياة