التفكير السائد لدى معظم الدول وأجهزة صناعة القرار المعنية بالمسألة السورية تكاد تنحصر في التصور والترتيب التالي لسورية.
بشار الأسد باق على رأس السلطة ولاتوجد أية نية حقيقية لإقصائه وإيجاد بديل له أقله في المرحلة الحالية والفترة القليلة المقبلة.
فبعد فشل الخطة ألف والتي تكلمت عنها أمريكا مرارا وفي جزء كبير منها تنسيق مع الروس، يبدو أنها لم تفلح مما يعني ضمنا أنهم انتقلوا إلى الخطة باء ونقطة التحرك فيها بدأت من الشمال السوري حيث يتسابق فيها الجميع في حربهم على تنظيم الدولة وانتزاع أكبر مساحة جغرافية منه، وملاحقته إلى عاصمته الرقة، والتي طال الحديث في الفترة الأخيرة عن معركتها ولم تبدأ، وذلك بسبب الخشية من الخسائر المتوقعة والتي لايمكن تحمل نتائجها حاليا من جميع الأطراف فمعركة الفلوجة ونتائجها ماثلة أمام أعينهم، في الوقت الذي خسر التنظيم الكثير من مناطق سيطرته أمام هذه القوات في مناطق أخرى.
والمستفيد الأكبر حتى الآن فيما يجري على الخارطة السورية بعد اسرائيل هو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي فمجريات الأحداث تخدم أجندته وتسير في صالحه بإقامة دولته وتحقق له أحلامه وأمانيه.
وحقيقة الخطة باء ضمنا هي التقسيم أو ممارسة ضغط أكبرعلى جميع الأطراف لتكون أكثر خضوعا وخنوعا والقبول بما يملى عليها ويخطط لها.
السنياريو العملي من الأطراف الفاعلة بدأ بتنفيذ هذه الخطة من الشمال السوري بقوات سوريا الديمقراطية والقوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة، ويبدو أن فرنسا بدورها دخلت على الخط لدعم هذه القوات وإثبات وجودها على الأرض.
والقوى الفاعلة الأخرى كروسيا وايران ماتزال تعمل بالتوازي مع ما يجري في الشمال في المناطق الأخرى وخصوصا على ما تبقى من جبهة الساحل للسيطرة عليها والاتجاه نحو جسر الشغور ومحاصرة مدينة ادلب معقل المعارضة وتعزيز مساحة الدويلة العلوية المقبلة في حال الوصول للتقسيم.
المفاوضات المتعثرة أصلا ستطول لسنوات مقبلة، مع إمكانية المحافظة على الاستقرار في الشمال والجنوب والساحل في حين ستبقى هناك حرب طاحنة تدور رحاها في الوسط وعلى مدينة حلب الاستراتيجية بشكل خاص.
والهاجس الأكبر لدى الغرب هو بعبع الارهاب الإسلامي المتمثل بتنظيم الدولة والمنظمات الإسلامية التي تحمل فكر الجهاد والتي تخوض معظم القوى حربا عليها لإنهاكها ومن ثم إنهائها، وكل ذلك بالطبع يصب في خدمة الأسد وحلفائه.
الروس سيحاولون الاحتفاظ بالأسد لأقصى مدة ممكنة لأنهم يرونه وسيلة لتحقيق مصالحهم، وسيكون هناك صراع نفوذ مع الإيرانيين لن يظهر إلى العلن لحساسية المصالح بينهما وسيتقاسمون مع الإيرانيين السيطرة على دمشق ويحاولون ضمان موقف سلمي من قبل قوى المعارضة المحيطة بدمشق عبر عمليات سياسية تفاوضية وضغوط عسكرية مختلفة عليها أو حتى إنهاء وجودها على أطراف دمشق بشكل كامل عندما تكون الفرصة سانحة ومهيأة لذلك.
الروس أيضا من خلال قواعدهم في الساحل سيعززون سيطرتهم عليه لأنه البعد الاستراتيجي الأهم لوجود نفوذ لهم على المياه الدافئة، وسيعملون على إنهاء وجود المعارضة في كل من حماة وحمص وريفهما بضوء أخضر أمريكي ولصالح دولة الأسد التي ستكون بذلك حصلت على حصة الأسد من الكعكة السورية المتنازع عليها.
الإيرانيون:
يتقاسمون النفوذ في دمشق مع الروس ويضمنون تواصلهم الجغرافي مع حزب الله وسيحاولون وصل لبنان مع دمشق وحمص إلى العراق ، والسيطرة على الأماكن الدينية والانقضاض إلى أهداف جديدة في المستقبل .
الإسرائيليون : المهم لديهم تأمين منطقة عازلة تحفظ لهم الأمن والاستقرار وهذا مانراه حاصل في تجميد جبهة الشمال لصالح نظام الأسد والكيان الصهيوني وتنهي أي حلم للسوريين بالتفكير في استعادة الجولان.
والتقسيم الحاصل للأرض السورية ، وإنهاك الدويلات الناشئة هو عين المطلوب وأقصى ما يحلمون به في ظل توافق روسي اسرائيلي أمريكي يضمن لهم ما يريدون.
الأتراك:
يحاولون جاهدين إقامة منطقة عازلة لمنع قيام دولة كردية في الشمال السوري ووجود منفذ بري لهم يصل إلى حلب ومن ثم إلى الداخل العربي وصولا إلى الخليج .
من الواضح أن الولايات المتحدة خذلتهم وأوراق القوة تتساقط من أيديهم شيئا فشيئا وأصبحوا في وضع لا يحسدون عليه بظل ضغط روسي أمريكي يمارس عليهم، وتنامي قيام دولة كردية على حدودهم الجنوبية في الشمال السوري، ستؤرقهم في المستقبل وستجلب لهم المزيد من التهديد والفوضى.
أميركا: المهم لديها محاصرة تنظيم الدولة والقضاء على التيارات الجهادية أو تقليم أظافرها وإثبات نقطة ارتكاز لها على الأرض السورية والتي حطت خطاها في الشمال السوري مع الأكراد بالإضافة إلى إرضاء حليفها الاسرائيلي المستفيد الأكبر مما يجري على الأرض السورية.
وغير ذلك ليس من ضمن أولوياتهم أقله حتى الانتخابات الأمريكية المقبلة.
المملكة العربية السعودية اللاعب العربي الأبرز في اللعبة السورية أقصى مايمكن القيام بفعله محاولة إسقاط الأسد وهو أمر من الواضح أنه أصبح صعبا، بظل الرفض الأمريكي لهذا الطلب والدعم الدولي لبشار الأسد وسيبقى لديهم هامش الدعم المحدود للمعارضة لتغيير ما على الأرض مع غياب عربي واضح عن الساحة تماما باستثناء الدور القطري المحدود.
المعارضة المشتتة والمتصارعة ليس لديها مشروع حقيقي لبناء دولة وهي تفتقر لأبسط مقومات الوحدة وخطاب الآخرين عداك عن اقناعهم، فهي تدور في فلك أمراء الحرب والعصابات قبل إسقاط الأسد فما هو الحال بعد إسقاطه وكل ذلك بنظر الآخرين.
وبطبيعة الحال فالمعركة طويلة ولا أحد يملك تصورا كاملا لما ستؤول إليه الأحداث مستقبلا لكثرة اللاعبين وتضارب المصالح واختلاف التوجهات والأفكار.
والمواطن الغربي في منأى عن كل مايحدث طالما أن القذائف والصواريخ بعيدة عنه ولا تتعدى الأرض السورية.
المركز الصحفي السوري ـ وضاح حاج يوسف