تجاوز عدد السوريين في جمهورية ألمانيا الاتحاديّة عتبة المئة ألف نسمة، وهذا العدد يتضمن جميع السوريين بمختلف أشكال أوراقهم القانونية، سواء أكانوا من طالبي اللجوء أو من طلاب العلم أو من الحاصلين على إقامات عمل أو غير ذلك. هذا العدد الكبير من المواطنين السوريين المقيمين في ألمانيا دفعنا إلى التساؤل التالي: كيف يقضي السوريون أوقاتهم في ألمانيا؟
مجموعات الفيس بووك
طرحنا سؤالاً في مجموعتين منفصلتين على موقع التواصل الاجتماعي فيس بووك، هاتان المجموعتان تضمان عدداً كبيراً من السوريين في ألمانيا، المجموعة الأولى هي “البيت السوري في ألمانيا” وتجاوز عدد أعضائها الخمسة وخمسين ألفاَ والمجموعة الثانية هي “سوريون عن جديد بألمانيا” والتي يبلغ عدد أعضائها حوالي تسعة آلاف شخص، وسؤالنا هو: كيف يقضي السوريون أوقاتهم في ألمانيا؟ وكنّا متوجهين إلى السوريين القادمين حديثاً إلى هذه البلاد والذين تتراوح مدة وجودهم هنا بين عدة أيام وسنة أو ما إلى هنالك.
كان التجاوب أكثر من المتوقع فقد وردتنا عشرات الرسائل التي تفصّل لنا ما يقوم به أصحاب هذه الرسائل من نشاطات خلال يومهم العادي. معظم النشاطات كانت تتمحور حول تعلم اللغة الألمانية، إذا يقضي معظم أولئك الأشخاص بشكل وسطي من ثلاث حتى ست ساعات يومياً في تعلم اللغة الألمانية، إما بالذهاب إلى مدارس خاصة، حيث يدفع تكاليف المدرسة عادة مكتب العمل أو مكتب الضمان الإجتماعي، أو بالذهاب إلى مراكز منظمات غير حكومية توفر دورات تعليم لغة ألمانية مجانيّة.
بالإضافة إلى اللغة فإن كثير من السوريين، ممن أرسلوا لنا رسائلهم، قد بدؤوا بإرتياد النوادي الرياضية المنتشرة بكثرة في المدن والقرى الألمانية. إضافة إلى الهوايات الخاصة بكل شخص والتي تختلف من القراءة والكتابة والمشي ووو الخ.
غالبية الأشخاص أكدوا لنا بأنّهم يقضون ساعات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي كانستغرام وفيس بووك، إما للتواصل مع الأهل والأصدقاء في سوريا وفي دول الشتات المختلفة أو لقتل الوقت كما عبّر أحدهم.
بعض السوريين يعملون بمهن مختلفة إلا أنّ أعدادهم قليلة وذلك بسبب صعوبة إيجاد عمل للوافدين الجدد فضلاً عن عائق اللغة. المصاريف يتكفل بها مكتب العمل أو مكتب الضمان الإجتماعي إذ تكون المساعدة مؤلفة من أجزاء وهي أجرة البيت (الغرفة) والتأمين الصحي وإعفاء من الدفع للمدرسة فضلاً عن مساعدة مالية شهرية تكفي للطعام والشراب، بالطبع يقضي معظم السوريين ساعات طويلة في مكاتب المؤسسات الحكومية الرسمية الألمانية ولذلك بسبب كثرة الأوراق المطلوبة والبيروقراطية الكبيرة في مكاتب هذه البلاد.
المثير للإعجاب هو قيام بعض الأشخاص برحلات إلى مناطق مختلفة، فرغم وجود حاجز اللغة وعدم معرفة جغرافيّة الدولة إلا أنّ ذلك لم يشكل عائقاً لدى الكثيرين ممن قرروا التعرف على مناطق مختلفة في ألمانيا.
قصص شخصيّة
وسيم هو أحد الشباب السوريين ممن قدموا إلى ألمانيا منذ ما يقارب السنة ونصف السنة، ويعيش حالياً في العاصمة برلين. وافق وسيم أن نقضي معه عدداً من الأيام للتعرف على جوانب حياته المختلفة وعلى كيفية قضائه لوقته. إن لم نستطع حصر كل التفاصيل فإنّنا تعرفنا على الشكل العام لحياة وسيم، والذي يشابه حياة الكثيرين من السوريين القادمين حديثاً إلى ألمانيا.
يستيقظ وسيم ذو الأربع وثلاثين عاماً تقريباً في الساعة التاسعة صباحاً يحضّر قهوته، ويتصفح مواقع التواصل الاجتماعي باحثاً عن أخبار جديدة أو لإكمال حديث منقوص مع صديق ما. يتناول فطوره بعد ساعتين تقريباً ثم يغادر إلى مدرسة تعليم اللغة الإلمانية التي يرتادها منذ حوالي شهرين.
وسيم يتقاسم شقة صغيرة في وسط برلين مع شابٍ سوري آخر، لكل منهما غرفة. لا مشكلة لديهما في أمور الطعام والشراب والحمام، كونهما أصدقاء.
في المدرسة يكوّن وسيم علاقات جديدة مع أشخاص من جنسيات مختلفة، أوربيون وعرب وحتى أشخاص قادمين من أمريكا اللاتينية وأفريقيا، كما هو معروف برلين هي من أكثر المدن اختلاطاً بالجنسيات حول العالم. هذا الاختلاط يخلّص وسيم ولو نسبياً من كآبة المنفى والبقاء متابعاً لأخبار الوضع السوري دقيقة بدقيقة.
بعد المدرسة يلتقي وسيم بأصدقائه، السوريين في معظمهم، في بيت أحدهم، وهو غالباً بيته، يطبخون ويشربون ويدخنون ويضحكون، أو قد يرافق أحدهم إلى مقهى أو بار قريب. لدى وسيم أصدقاء ألمان إلا أنّهم قليلون نسبياً.
يقول وسيم إن الإقامة هنا “تعرفنا على ثقافات جديدة لم نكن لنعرفها في بلادنا مهما عشنا، العادات والتقاليد الجديدة تحررنا من قيودنا ولو بشكل جزئي”.
في البيت مساءً يدرس وسيم اللغة الألمانية أو قد يشاهد فيلماً مع شريكه في السكن وينام بعد منتصف الليل غالباً.
حياة وسيم مشابهة لحياة الكثير من الأشخاص الذين قابلناهم خلال بحثنا في هذا الموضوع، كما أنّها مشابهة بشكل كبير لمعظم الرسائل التي وصلتنا حين سألنا عن هذا الأمر.
باستطاعتنا القول إنّ معظم السوريين القادمين حديثاً إلى ألمانيا لم يستطيعوا الإندماج بشكل جيد في المجتمع الألماني، وبدأت تتشكل مجموعات و”شلل سورية” كبيرة في مختلف الولايات الألمانية.
مجموعات السوريين
خلافاً لصفحات الفيس بووك التي تجمع السوريين ظهر موقع “ابن البلد” وهو يقدم خدمات قانونية لمساعدة السوريين الجدد في ألمانيا، مؤسسو الموقع هم من السوريين المقيمين منذ سنوات في ألمانيا.
كما ظهر نادي سلام في برلين وهو نادي ثقافي اجتماعي لديه العديد من المشاريع الواعدة، هدفه الرئيسي هو إيجاد مكان يجتمع فيه السوريين بالإضافة إلى مساعدتهم في العديد من مسائل الترجمة والأوراق القانونية وغير ذلك.
كما وجدت بعض الجمعيات والمجموعات الأخرى في ولايات ألمانية متعددة إلا أنّنا لم نصل إلى أي تفاصيل تتعلق بها.
الجالية السوريّة في ألمانيا
بدأت تتكاثر أعداد السوريين في ألمانيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فلم يكن معروفاً هنا وجود جالية سوريّة منظمة كما في فرنسا على سبيل المثال.
الآن بدأت تظهر بوادر تشكيل جالية سوريّة منظمة يحاول بعض الأطراف جرّها إلى غايات سياسية معينة إلا أنّ محاولاتهم لم تنجح حتى الآن.
دلير يوسف – الحل السوري