الإعلام الموازي سلاح غريب ومريب في ذات الوقت يصنع المعارك والانتصارات من وراء لوحة مفاتيح أو شاشة هاتف، يذكرنا بطواحين الهواء التي يحاربها الدون كيشوت في الرواية المشهورة إنه أقرب للواقع الافتراضي الذي تراه من خلال نظارات ( VR) دون أن تلمسه بيديك.
انشغل الإعلام خلال اليومين الماضيين بخبر مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة برصاص قوات الاحتلال والتعديات على نعشها أثناء التشييع، لكن ظهرت فقاعة في الإعلام الموازي نقلت الحوار إلى بعد آخر بين فريقين افتراضيين متناغمين، تساءل الأول لماذا تترحمون على صحفية ماتت على غير الإسلام ليرد عليه الفريق الافتراضي الثاني، وهل تملكون أنتم مفاتيح الجنة ثم يشتعل الإعلام الموازي بحرب ضروس طالت المقدسات، وشاركت بها أقلام مغمورة وأخرى لم نعهد لها اهتماماً بهذا النوع من الحروب والنقاشات.
لابد من تحليل هذه الظاهرة لنعرف من ورائها ولماذا نشطت بهذا الشكل لتتحول لـ”ترند ” تطغى على فاجعة إعدام صحفية من قبل قوات الاحتلال بدم بارد، لابد من التذكير أولاً أن الأقلام التي نشطت في بداية هذه المعركة الافتراضية أغلبها يملك حسابات غير موثقة، بل بعضها أنشئ حديثاً على عجل أي أنه حساب مكذوب ” Fake Account “.
حتى الأقلام الموثقة التي شاركت وأججت نار المعركة ليس لها اهتمامات سابقة بقضية فلسطين، مثل (باسم ي) الساخر المقيم في أمريكا والذي سخر من ديمقراطية محمد مرسي رحمه الله ثم ابتلع لسانه مع انقلاب العسكر، ومن قبيل أيضاً (ع ش) الذي كان مدافعاً عن نظام الأسد ثم انقلب عليه ليصبح بوقاً لدولة خليجية بشكل سافر ومقزز.
مثل هذه الأقلام التي تستأجر باليومية أو بالقطعة هي من سعرت نار الحرب على صفحات الإعلام الموازي، وحولت الفرصة الذهبية لنصرة القضية الفلسطينية إلى جدل بيزنطي عقيم بل إلى حرب دينية تطال المقدسات.
من المؤكد أيضاً أن هناك أقلاما نظيفة مشهود لها بقول الحق شاركت في النقاشات وحاولت إعادة القضية إلى سياقها الطبيعي مع الـتأسيس الفكري الصحيح، لكن المعركة الافتراضية للأسف تدار بـعدد (اللايكات) والغوغائية وليس بالحوار العقلاني المستند للأدلة والبراهين.
إذا رجعنا إلى القاعدة في علم الأدلة الجنائية التي تقول ابحث عن المستفيد لتعرف المجرم، فالمستفيد من حرف البوصلة في مقتل الصحفية “أبو عاقلة ” هو الكيان الإسرائيلي المحتل والأنظمة العربية المطبعة معه، فالكيان يعيش أسعد أوقاته بعد ارتكابه جريمة الإعدام وحرف النقاش الدائر إلى تناقضات في الخندق المقابل.
ليس المطلوب لمعالجة هذه الحرب هو الدخول في الصراع واللجوء للدفاع لأننا في هذه الحالة نكون قد تورطنا في الحرب التي يسعى الكيان إلى افتعالها، بل لابد من إعادة توجيه البوصلة والتذكير بأن قضية شيرين أبو عاقلة هي قضية فلسطين التي تقتل كل يوم على مرأى ومسمع العالم بلا تحرك عالمي، هي قضية المسلم والمسيحي واللاديني.
ولنكن حذرين من الأقلام التي تباع وتشترى وتروج لأجندات الاحتلال والدول المطبعة معه لأنها ترصد ميزانية كبيرة في الحروب الافتراضية فكما يوجد مرتزقة في الحروب التقليدية هناك مرتزقة إعلاميين في الحروب الافتراضية.
محمد مهنا – مقالة رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع