تتطلب الأوقات العصيبة اتخاذ تدابير صعبة لإدارة الصراع. في نهاية هذا الأسبوع، في محادثات بشأن سوريا عقدت في فيينا بناء على طلب من روسيا والولايات المتحدة، وجه دبلوماسيون دعوة إلى دمشق وجماعات المعارضة الرئيسية إلى الاتفاق على وقف لإطلاق النار في البلاد، بالتوازي مع الهجمات المستمرة ضد الدولة الإسلامية المعلنة ومقاتلي القاعدة. تعهدت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على دعم “مهمة بعثة مراقبة وقف إطلاق النار التي تقوم بها الأمم المتحدة في تلك الأجزاء من البلاد بحيث لا يقع المراقبون تحت تهديد الهجمات من الإرهابيين”.
في فترة سابقة من الحرب الأهلية في سوريا، حاولت بعثتين من بعثات المراقبين الدوليين وقف انهيار البلاد في حرب شاملة. الأولى، أرسلتها الجامعة العربية في ديسمبر 2011، وكانت تفتقر للكفاءة بشكل فاضح وبالكاد استمرت لمدة شهر. والثانية، أطلقتها الأمم المتحدة في أبريل 2012، كانت أكثر احترافًا ولكن ليس أكثر نجاحًا. فقد جرى نشر ذوو القبعات الزرقاء للإشراف على وقف إطلاق النار الذي انهار فيه وصولهم. وقد بذلوا جهودًا مضنية لمراقبة العنف المتصاعد، ولكن منعت كل من الصين وروسيا أي رد فعل جدي من قبل مجلس الأمن.
فشلت هذه الجهود رغم ذلك، وقد ظل الوسطاء في الأزمة السورية على ثقة من أنه ستكون هناك حاجة إلى مراقبين دوليين لدعم أي عملية سلام. “إذا كانت الحكومة السورية على استعداد في أي وقت لوقف إطلاق النار مع خصومها الأكثر اعتدالاً”، ذكرت في يناير الماضي “فقد تكون هناك حاجة إلى وجود بعثة مراقبة دولية لتعزيز الثقة في الصفقة”. إن لدى الأمم المتحدة خطط طوارئ لتوفير أكثر من 10000 مراقب، وهي تحتاج الآن إلى نفض الغبار عنها.
ومع ذلك، يجب النظر إلى دعوات وقف إطلاق النار التي أطلقت في مؤتمر فيينا بقدر من التشكك. فحتى لو ثُبت جزئيًا أن وقف إطلاق النار محتمل في سوريا، فإن أي جزء من البلاد لن يكون خاليًا حقًا من التهديدات الإرهابية. وكما يتبين من هجمات الأسبوع الماضي في بيروت وباريس، وكذلك إسقاط طائرة ركاب روسية في سيناء قبل أسبوعين، يمكن للدولة الإسلامية الضرب في الأراضي الخارجة عن سيطرتها. وكل عنصر في قوات حفظ السلام ستطأ قدمه الأراضي السورية سيواجه خطر الاستهداف.
هذا صحيح بشكل خاص بسبب ديناميات الجغرافية السياسية الجديدة الناشئة حول عملية السلام في سوريا. فبعد هجمات باريس وتفجير الطائرات في سيناء، يبدو من المرجح أن روسيا والغرب سوف يضعان جانبًا خلافاتهما حول سوريا للتركيز على عمليات مكافحة الإرهاب. إذا عٌقد وقف إطلاق النار مدعوم من قبل الأمم المتحدة، فإن الدولة الإسلامية والمتطرفين الآخرين سينظرون إلى قوات حفظ السلام بوصفها ليست طرفًا محايدًا، وإنما يقوم أعضاء التحالف بالعمل ضدهم.
هل يمكن لمهمة بعثة المراقبة مواجهة هذا الخطر؟ لا تبشر المؤشرات بالخير. اقتصرت عملية الأمم المتحدة في عام 2012 في سوريا إلى حد كبير على مقارها بعد بضعة أشهر بسبب انتشار العنف على نطاق واسع. وقد اعتمدت بشدة على القوات السورية في تأمينها، ما حد بشكل ملحوظ من مصداقيتها. وقد أخذ الإسلاميون النشطون في مرتفعات الجولان منذ ذلك الحين مجموعات كبيرة من المراقبين العسكريين كرهائن، على الرغم من نجاح وحدة فلبينية في إيقاف هجوم العام الماضي حتى وصل رجال الإنقاذ الأيرلنديين. وفي مالي، أودت الهجمات الإرهابية بحياة العشرات من جنود الأمم المتحدة منذ الصيف الماضي.
وعليه، فإن نشر بعثة من ذوي القبعات الزرقاء في سوريا سيكون مهمة محفوفة بالمخاطر، ولكن سيبدو ذلك أيضًا مثل فعل غير جاد من قبل مجلس الأمن. فلا الجماعات المتمردة المعتدلة ولا الشعب السوري من المرجح أن يثقوا في مراقبي الأمم المتحدة، وذلك نظرا لأداء أسلافهم. لذا ربما يكون هذا هو السبب في أن المفاوضين في فيينا أشاروا فقط إلى عملية “تصادق عليها الأمم المتحدة” بدلاً من أن تقودها. ونظرًا للتحديات المحتملة لبعثة المراقبين، فمن الضروري التفكير في خيارات أفضل.
نظمت مبادرة الإصلاح العربي التقدمية العام الماضي مناقشة حول هذه المسألة. في أحد البيانات غير منشورة لهذه العملية، ذكرت أن أي بعثة مراقبة من المزمع نشرها في المستقبل في سوريا يجب ألا تعتمد ببساطة على أداة لأمم المتحدة القديمة المكونة من ضباط النوايا الحسنة الذين يتجولون في سيارات جيب بيضاء. بدلاً من ذلك، ينبغي رصد الأحداث على أرض الواقع بأدوات مغاير، بما في ذلك مجموعات استطلاع مكونة من القوات الخاصة، ومدعومة بطائرات بلا طيار والأقمار الصناعية.
وسيكون الهدف من بعثة المراقبة هذه الحفاظ على أعلى مستوى من الرقابة مع الحد الأدنى من المخاطر. وعلى الرغم من مواردها المحدودة، كانت الأمم المتحدة تتلمس طريقها نحو مزيد من البعثات المتقدمة من هذا النوع منذ عدة سنوات، في حين تبحث أيضًا في كيفية متابعة وسائل الاعلام الاجتماعية ومصادر البيانات للمساعدة في تتبع التطورات من بعيد.
إلا أنه وكما لاحظ جون كارلسورد، يحتاج خبراء حفظ السلام إلى “الحذر من الشعور بالغطرسة بسبب تفوقهم التكنولوجي”. قد يبدو ذكيًا نشر تكنولوجيات جديدة في مناطق النزاع، ولكن النتائج غالبًا ما تكون مخيبة للآمال. وفيما أرسلت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) طائرات بدون طيار إلى شرق أوكرانيا، قامت روسيا بالتشويش على إشاراتها. تستخدم الأمم المتحدة أيضًا طائرات بدون طيار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكنها لم تكن قادرة دائمًا على تعقب الجماعات المسلحة التي تعمل تحت غطاء شجري كثيف. قد لا تكون هذه المشكلة موجودة في سوريا والعراق، ولكن بشكل عام لا تخلو مهمة الرصد العسكري فائقة التكنولوجيا تمامًا من المخاطر. وفي بعض الأحيان يكون الضباط حسنو النية الذين يستقلون سيارات جيب بيضاء أكثر فعالية على أرض الواقع.
من المرجح جدًا أيضًا أن النظام السوري سيحاول فرض قيود كبيرة على أي بعثة للمراقبة في المستقبل. في عام 2012، عرقلت دمشق نشر البعثة السابقة للأمم المتحدة برفضها السماح لها بالحصول على وسيلة إخلاء طبي جوي مستقلة. روسيا، التي كانت تتآمر وقتها للتضييق على المراقبين، أخذت جانب سوريا في هذه المسألة. وحتى لو كانت موسكو أكثر إيجابية نحو العملية المستقبلية، فمن المرجح جدُا أن تتكرر خلافات مماثلة.
هذا يشير إلى السؤال الأكثر أهمية عن أي مهمة مراقبة مستقبلية في سوريا، وذلك بصرف النظر عن الراية التي ستنشر تحتها: هل ستتمتع بدعم سياسي حقيقي من القوى الكبرى المشاركة في الصراع؟ تشبه مصداقية المراقبين الدوليين مصداقية الحكومات الكبرى التي تدعمهم. في عام 2012، أرسل مجلس الأمن مراقبين إلى سوريا دون أي دعم سياسي حقيقي على الإطلاق. وهناك فرصة ضئيلة أن تحظى بعثة المستقبل بدعم أقوى، ولكنها ستظل هشة بشكل مؤلم.
الحقيقة المحزنة هي أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ربما يكونون قد اتفقوا على فكرة إرسال مهمة أخرى لأنه من الأسهل القيام بذلك بدلاً من تقديم تنازلات بشأن قضايا سياسية أكبر. وغالبًا ما تكون عمليات السلام الخيار الافتراضي الذي تلجأ إليه القوى الكبرى عندما لا يكونن ثمة أي أفكار أفضل. في عام 2012، ذكرت ان بعثة مراقبي الامم المتحدة المتجهة إلى سوريا كان مصيرها “الفشل الذريع”. ومن الصعب التحلي بتفاؤل أكثر بشأن أي مهمة جديدة. ومع أفراد مرموقين ومعدات تابعة للأمم المتحدة، قد تكون هناك على الأقل فرصة لأن يكون مستوى الفشل أقل مما كان عليه مرة الأخيرة.
مترجم ـ ساسة بوست