فيما يقترب عام 2015 من طي صفحاته الأخيرة، يترقب السوريين العام الجديد بالخوف والقلق من المستقبل تارةً وبالأمل تارةً أخرى، حيث حمل عام 2015 في صفحاته الكثير من اللحظات المؤلمة للسوريين، الذين طالما كانوا يأملون بأن ينتهي هذا العام وتنتهي معه مأساتهم، ليكون عام 2016 صفحة جديدة في حياتهم، ينتهي فيه شلال الدم المستمر منذ اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011 المطالبة بالحرية والكرامة واسقاط النظام.
حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان لقي 7274 مواطناً مدنياً حتفهم خلال عام 2015 بينهم 1533 طفلاً دون سن الثامنة عشرة و1035 مواطنة و4706 رجلاً، بالإضافة لإصابة 37 ألف شخص من المدنيين بجراح، وتشريد عشرات الاف المواطنين، و دمار كبير في الممتلكات العامة والخاصة جرّاء الغارات الجوية والصاروخية التي تشنها قوات النظام بشكل يومي على المدن والقرى المحررة في عموم أنحاء سورية.
في أحد الأسواق الشعبية في حي الشعار أحد أحياء حلب الشرقية، يجتمع الناس عند أحد الباعة لشراء بعض الحاجيات الضرورية من الخضروات، عبد الرحمن (33 عاماً) هو مالك المحل التجاري المخصص لبيع الخضروات، يقول عبد الرحمن: “2015 كان عاما صعبا بكل معنى الكلمة، بالتأكيد ما كان عاما جيدا وكان أسوأ من 2014 بكل النواحي، عشنا فيه القصف، عشنا فيه العطش بسبب انقطاع المياه على فترات طويلة، عشنا فيه العتمة بسبب انقطاع الكهرباء، واللي ماعاد نشوفها إلا بالمناسبات، هاد السوق اللي نحنا موجودين فيه تعرض للقصف عدة مرات وماتوا كتير ناس، الأمور الاقتصادية والأمنية من سيئ لأسوأ، أنا رب لعائلة مكونة من 4 أشخاص، يا دوب عبقدر أأمن المبلغ الشهري اللي فيني عيش فيه أنا وعائلتي، الناس ماعادت تشتري غير الأشياء الضرورية، أنا من ناحيتي مارح أحتفل براس السنة، على شو بدي أحتفل؟ كل يوم عنا شهيد، كل يوم واحد مننا يمكن يموت، رح عيش ليلة راس السنة متل كل ليلة، أشتغل بالنهار، وروح عالبيت بالليل، أقعد جنب أطفالي وزوجتي متل ما عودتهم كل يوم”.
رغِبَ محمد (25 عاماً) أحد الذين كانوا يشترون بعض الحاجيات بالتحدث إلينا، يقول محمد “كل يوم منسمع إنو رح توقف الحرب، كل يوم بقولوا بالأخبار إنو في حل سياسي وإنو رح يصير شغلات جديدة، من زمان نحنا عمنسمع نفس القصة ما عبصير شي، بالنسبة إلي 2015 كان عام سيئ كتير، أنا فقدت عملي المصدر الوحيد لرزقي في بداية ال2015، وحالياً أنا عاطل عن العمل باعتبار إنو مافي شغل، أنا حلمي أتزوج ويصير عندي عائلة ومنزل متل كل الناس، للأسف الأوضاع الحالية بتمنعني حتى فكر بموضوع الزواج، بكل بساطة أنا برأيي إنو العالم كله عبتاجر فينا (يتكلم غاضباً) نحنا عمنعيش حرب عالمية تالتة على أرضنا، ومتل ما كان 2015، يمكن يكون 2016”.
أيام صعبة يعيشها السوريون، الجميع يتكلمون عن حالة اقتصادية صعبة وأوضاع أمنية متردية، فالأسواق تبدو شاحبة كحال الناس هناك، والجميع يرغبون بحل سريع ينقذهم مما هم فيه، يقول الحاج محمد 50 عاماً: “إذا نظرنا إلى عام 2015 نجد أنه كان أسوأ من العام الذي قبله، لم تتمكن أي دولة في العالم من وقف نزيف الدم المستمر عندنا رغم الوعود، نحن لم نعد نثق بأحد على الإطلاق، النظام منذ بداية هذا العام قصف الأحياء والأسواق وكل شيء ممكن أن يودي بحياة الناس ويقطع سبل عيشهم، وهذا هو الحال كل يوم، أنا كواحد من المجتمع السوري أرغب أن تنتهي هذه الحرب، أأمل أن نعود للعيش بسلام، عندنا أطفال يجب أن نربيهم، عندنا نساء ينتظرون منا الرعاية، أتمنى أن يكون العام القادم عاماً يحمل السلام لنا، ولكنني لا أتوقع ذلك، لأنّ الأمور تتجه من سيئ إلى أسوأ، والجميع يغلق أعينه عن المجازر التي ترتكب بشكل يومي في بلادنا، هذا الحي “الشعار” كان يعج بالناس ليل نهار، لم يبق هنا أحد، وكذلك حال باقي الأحياء المحررة، هروب الناس يعني أنّ الحياة أصبحت مستحيلة هنا، أتمنى لو يتحرك العالم بشكل فعلي في العام القادم لينهي هذه المأساة التي نعيشها، لا نعلم من منا سيبقى حياً حتى يكون ذلك اليوم”.
عام الهجرة
ويرى الناشط الإعلامي يمان الخطيب أنّ عام 2015 اتسم بهجرة الشباب إلى أوروبا، وخاصة أصحاب الاختصاصات العملية ما أدى لنتائج كارثية على الوضع الاجتماعي في البلاد، يقول يمان في هذا الصدد “كثير من الشبان هاجر إلى أوروبا بسبب الأوضاع الإنسانية المتردية في مناطق سيطرة الجيش الحر، وللأسف كان أول المهاجرين الشبان الذين يعملون في قطاع التعليم، علما أن المدارس في المناطق المحررة تعاني من نقص في الكوادر التعليمية، لاشك أن استمرار هجرة الشبان على وجه التحديد إلى أوربا خلال عام 2015 عاد بنتائج كارثية، وفي حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فأستطيع أن أؤكد سيشهد عام 2016 هجرة من تبقى من السوريين، لعدة أسباب أهمها القصف والعمليات العسكرية وغياب أبسط مقومات الحياة الماء والكهرباء، إضافة للشلل في الحركة الاقتصادية في معظم المدن وحلب على وجه الخصوص، لا أرى أنّ العام الجديد سيأتي بشيء أفضل من سابقه”.
هكذا وجد السوريون عام 2015 فهم اعتبروه عاماً أسوأ من الذي سبقه ولا يتفاءلون كثيراً بالعام القادم، سوى الأماني التي يطلقونها في أن يكون عاماً جيداً، عاماً أفضل من الأعوام التي سبقته، يرغبون في أن يلتم شمل عائلاتهم المشردة هنا وهناك، يرغبون في أن ينمو أطفالهم بدون صوت الصواريخ والمدافع التي يسمعونها كل يوم وليلة، ولا يجدون مخلصاً منها سوى الدعاء المستمر، فهم يدركون أنّ العالم متواطئ في مساعدتهم للخلاص من جحيم الحرب المستعرة منذ 4 سنوات.
أما من الناحية العسكرية فقد اتسم عام 2015 بكثير من التطورات في الشمال السوري فقد بدأها النظام بتقدم استراتيجي في الـ 17 من شهر فبراير/ شباط، حين سيطر على قرى استراتيجية بريف حلب الشمالي هي “باشكوي – دوير الزيتون” واستطاع التمركز فيها وجعلها نقاط انطلاق إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار بريف حلب الشمالي، كما استطاعت قوات النظام في شهر نوفمبر/تشرين الثاني مدعومة بتغطية جوية روسية من السيطرة على عدة قرى في ريف حلب الجنوبي، أهمها قريتا “الحاضر والوضيحي” الاستراتيجيتان ما جعل طريق حلب – دمشق الدولي الخاضع لسيطرة الثوار تحت مرمى قوات النظام التي تحاول التقدم على تلك الجبهة بشكل يومي، أما في ريف حلب الشرقي أحرزت قوات النظام نصراً عسكرياً مهماً على تنظيم الدولة حين قطعت مسافة كبيرة انطلاقاً من مدينة السفيرة حتى تمكنت من فك الحصار عن مطار كويريس العسكري المحاصر منذ ما يقارب الثلاث سنوات من قبل تنظيم الدولة، في المقابل تمكنّ جيش الفتح في شهر مايو/أيار من تحقيق نصر استراتيجي من خلال السيطرة على كامل مدينة إدلب وريفها باستثناء قريتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام والمحاصرتين من قبل جيش الفتح.
معيوف المعيوف، القائد العسكري لكتائب أحفاد حمزة أحد فصائل الجيش السوري الحر والعاملة في مدينة حلب وريفها، تحدث إلينا قائلاً: “في عام 2015 حدثت عدة انتكاسات في المناطق التي كنا نسيطر عليها في ريف حلب، استطاع النظام السيطرة على عدة قرى، قمنا باسترجاع حردتنين ورتيان بريف حلب الشمالي وأوقعنا بقوات النظام خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، نحاول استرجاع باقي المناطق التي تمكنت قوات النظام من احتلالها، نحاول الآن الصمود في ريف حلب الجنوبي، في هذا العام فتحت علينا جبهات قتال غير الجبهات مع قوات النظام، فنحن نتصدى لتنظيم الدولة في الريف الشمالي، كما أنّ مليشيات حزب العمال الكردستاني تحاول رسم خارطتها على الحدود السورية التركية ونتصدى لها بكل ما أوتينا من قوة أيضاً، الأوضاع العسكرية في ريف حلب ليست بالجيدة، فنحن لا نقاتل النظام فحسب، وإنما نقاتل أطرافاً أخرى، ولا نتلقى الدعم اللازم الذي يمكننا من الصمود في وجه الجميع، شاركنا في تحرير إدلب وكان نصراً كبيراً لنا، نأمل بأن يكون العام القادم فاتحة خير بالنسبة لنا وأن نستطيع في هذا العام دحر قوات النظام من جميع الأراضي السورية وبشكل عام نحن صامدون حتى النهاية”.
المدنيون والعسكريون متفقون أن عام 2015 كان عاماً سيئاً من كل النواحي، يمنّون النفس بعام جديد أفضل من سابقه، رغم اعتقادهم بأنّ العام الجديد لن يأتي بشيء جديد سوى المزيد من القتل والمزيد من الدمار والمزيد من الهجرة، منتظرين جميعاً تحركاً جاداً من شأنه أن ينهي الحرب في سورية، وإقامة دولة العدل والمساواة.
العربي الجديد