المركز الصحفي السوري
فقد انسحبت عصابات الأسد من مدينة تدمر التاريخية قبل حوالي الاسبوعين، ممهدة الطريق لعصابات تنظيم (داعش) لدخولها حيث قامت الأخيرة بعد ذلك بايام بتفجير السجن العسكري السئ الصيت والمصنف الأسوأ عربيا وضمن العشرة الأسوأ عالمياً. وهو السجن الذي ارتكب فيه مجرمو (سرايا الدفاع) بقيادة رفعت الأسد المجزرة الشهيرة عام 1980 حين فتحوا النار على السجناء في الزنزانات والساحات وقتلوا مايقرب من الألف سجين في ليلة واحدة. صدر العديد من الكتب والقصص عن هذا السجن وبقلم أشخاص اعتقلوا فيه وعاشوا ويلاته واكتوا بناره، ومن أشهرها (القوقعة) لمصطفى خليفة و(حمامات الدم) لعبد الله الناجي و(تدمر: شاهد ومشهود) لمحمد حماد و(عائد من جهنم) لعلي أبو دهن و(خمس دقائق وحسب) لهبة الدباغ وغيرها. وقد كان اسمي على وشك الانضمام للائحة هؤلاء الكتاب بترحيلي إلى هذا السجن، ذلك فيما لو قدر لي أن أخرج منه حياً لأكتب تجربتي فيه، وهو السجن الذي كان قد اشتهر بأن (الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود)، ولكن سارت الأمور بما لاتشتهي (رياح) من رتبوا لي ذلك الترحيل. عودة تدمر وسجنها مؤخراً إلى تصدر نشرات الأخبار ذكرني بأحداث جرت في ثمانينيات القرن الماضي وكانت على وشك أن تنتهي بي في إحدى زنزاناته. كما سبق وأشرت في مقال سابق، فقد عملت قبل سفري ولفترة قصيرة في مؤسسة (متاع) كمهندس متدرب، والتي كانت مثلها مثل بقية مؤسسات ووزارات الدولة، خاضعة لهيمنة وتسلط (العلويين) باستيلائهم على المناصب العليا، وتركهم المناصب الدنيا أو الصورية لباقي فئات الشعب. وبسبب طبيعتي الغير معتادة على غض الطرف عن الأخطاء أو تمرير التجاوزات، فقد اصطدمت مع مجموعة من (الطائفة الكريمة) في أمور وظيفية بحتة تتعلق بتفاصيل العمل ومصلحته ليس إلا. ولاأشك أن هذه المجموعة كانت قد لعنت الساعة التي أتت بي إلى المؤسسة وجعلتني رئيساً للدائرة التي يعملون فيها، أقرر لهم ماذا يجب أن يفعلوا وماذا يجب أن لايفعلوا، وأشكل تهديداً لامتيازاتهم وحجر عثرة في طريق مصالحهم. ثم وصلت الأمور بيني وبينهم في مرحلة من المراحل إلى صدام مباشر، فلم يتورع أحدهم عن القيام بتهديدي علناً بأنه سوف (يجعلني أندم) على تقدمي بطلب نقله خارج الدائرة لعدم الكفاءة، وهو بالمناسبة كان ممن يحملون مسدساً بدعوى الأمن، وممن يرتدون على الدوام البذلة عسكرية بالرغم من أنه مدني. وقد كانت تسميته (معاون مهندس) لرئيس الدائرة بالرغم من أنه غير حاصل حتى على الشهادة الاعدادية. وقد كان من الطبيعي والمفهوم أن تحاول مجموعة مستفيدة من موقعها أن تنقلني خارج الدائرة لتأخذ راحتها دون رقيب، ولكن ما لم يكن طبيعياً الطريقة التي فكرت فيها للتخلص مني والتي لايمكن وصفها إلا بالشيطانية، وذلك بتلفيق تهمة لي تنتهي بي في سجن تدمر الآنف الذكر. ولما لم يجدوا لي أي تهمة سياسية، فقد لجؤا إلى تلك الأكثر شهرة في حينها، والتي كانت تعرف بتهمة من لاتهمة له، ألا وهي (سب الرئيس)، إذ لم تكن بحاجة لأكثر من شاهدي زور. وفعلاً فقد استلمت بعد فترة رسالة استدعاء عن طريق ديوان المؤسسة تطالبني بمراجعة أحد أفرع المخابرات في ساحة الأمويين في التاريخ المدون على الرسالة. وقد علمت لاحقاً أن مدير سجن تدمر حينها كان ابن عم أحد أفراد المجموعة إياها التي اختلفت معها، وبالتالي فقد تم ترتيب الأمور بأن استدعى إلى فرع المخابرات في دمشق ثم يتم ترحيلي سريعاً من هناك إلى تدمر في نفس اليوم، وذلك حتى لاتتمكن أسرتي من العثور علي، فيستلمني مدير السجن ويتوصى بي حسب توصية ابن عمه. مالم يحسبوا حسابه في هذا السيناريو، ولاأعرف كيف مرت عليهم، أني كنت مدعوما بما يسمى (واسطة) من الوزن الثقيل والمتمثلة بأحد أقاربنا الذي كان برتبة لواء وفي مركز رفيع في الدولة. وقد كان لتدخل هذا القريب الفضل في فشل السيناريو المذكور وكذلك في معاقبة كاتب تقرير (سب الرئيس) الكاذب. وقد كانت عقوبته بأن تعرض للضرب والاهانة من قبل العميد المكلف بالتحقيق وفصله من المؤسسة فيما بعد، علماً بأن هذا العميد كان بدور%