أورينت نت
كتب اللواء بهجت سليمان، ضابط الأمن الشهير الأسبق، وسفير بشار المُبعد من الأردن، في واحدة من “تجلياته” الكثيرة هذه الأيام، ما أسماها (مرثية لوزير خارجية سابق كالقُربة المثقوبة). جاء فيها (وزير خارجية سابق ومُزمن، لا تتجلّى مواهبه بالكفاءة والحِرفية – كسرة على حرف الحاء، بل بالسفاهة والحَرفية – فتحة على حرف الحاء.
نشروا له كتاباً، جعل فيه من نفسه قطب الرّحى. مع أن الغادي والبادي في الوطن، لاحظ أنّ المذكور كان كالقربة المثقوبة، لا تستطيع اختزان شيء، عندما يتوقّف ضخّ الماء إليها، ذلك أنّه في بداية هذا القرن، عندما غاب نبع الماء الأوّل الذي كان يغذيه، ظهر خواؤه وضحالته وسطحيته، كأنّه لم يتعلّم شيئاً طيلة أكثر من عقدين من الزّمن، ومع ذلك تحملّه نبع الماء الثاني، عقداً ثالثاً من الزّمن، علّه يتعلّم مجدداً، ما عجز عن تعلمه في الماضي.. لكن دون جدوى، وسيقى التاريخ القادم، هو الحكم العادل).
الشرع ما بين شوكت وسليمان!
يبدو، أن مذكرات نائب بشار، ووزير خارجية “حافظ” الأسبق فاروق الشرع، التي نشرها مؤخراً في كتاب تحت عنوان “الرواية المفقودة”، وأعادت “أورينت نت” نشرها على حلقات. فجرت غيظاً متراكماً ودفيناً داخل “اللواء” اتجاه “الوزير والنائب “، فيما يظهر السؤال (لكن لماذا؟!) بدهياً ومهماً هنا.
المعروف، أن الخلاف بين الرجلين، ليس مُستجداً، ولا يعود لموقف الشرع من الثورة في سوريا فقط، والتي تتلخص باستحالة الحل الأمني، وضرورة ترجيح “الحل السياسي”. إنما يعود إلى سنوات طويلة ماضية، اصطف خلالها المسؤولان في خندقي نفوذ متصارعين، ذلك أن الشرع، كان من المحسوبين على الخصم اللدود للواء بهجت، أي اللواء الراحل آصف شوكت، الذي تمت تصفيته في تفجير “خلية الأزمة”، والتي تشير أصابع الاتهام بتدبيره صراحة إلى “بشار الأسد”.
لم تكن الصراعات بين مراكز القوى، لتظهر زمن حافظ إلى العلن، إلا فيما ندر، مثلما حدث اثناء مرض الأخير منتصف الثمانينيات من القرن الماضي تقريباً، ومحاولة رفعت الأسد الانقلاب عليه.
بهجت يغدُر برفعت الأسد لصالح حافظ!
المُفارقة، أن المُقدم في سرايا الدفاع آنذاك بهجت سليمان، والمُقرب جداً من قائدها “أبي دريد”. كان هو الجاسوس الذهبي والوحيد، الذي اخترق حافظ بواسطته معاقل “شقيقة العسكرية” وأسرارها، وهذا أكده العماد أول مصطفى طلاس، في كتيب له بعنوان “أمريكا تستحث رفعت الأسد للاستيلاء على السلطة”، و يحكي فيه تفاصيل ووقائع “صراع الأخوين”، والذي أثار فور تداوله في سنوات حكم بشار الأولى، عاصفة من الجدل والانتقادات.
على عادة “الأسد الأب”، كوفئ بهجت سليمان على خيانته لقائده وولي نعمته رفعت، بتعيينه رئيساً “للفرع الخارجي” في إدارة أمن الدولة. وتوسيع نفوذه، لكن ليس إلى درجة التأثير بقرارات حافظ في تعيين وزراء من عيار الخارجية، خصوصاً، وأن علاقة “الأسد الأب” بالشرع، تعود إلى ما قبل انقلابه على رفاقه، وبدأت بإشراف حافظ على مؤسسة الطيران السورية، بصفته قائداً للقوى الجوية، ورئيساً لهيئة الأركان.
مع صعود نجم “سليمان”،كانت ميزة التأثير باختيار بعض وزراء حافظ، حكراً على رئيس الفرع الداخلي بأمن الدولة اللواء محمد ناصيف، معاون “نائب الرئيس” شكلياً، ورجل الظل القوي في قصر بشار حالياً.
“أبو المجد” وأيام اللولو!
تولى بهجت، أو تنطح لمهمة المساهمة في التهيئة لتوريث بشار إعلامياً، وظهرت للمرة الأولى مقالات بتوقيع “الدكتور بهجت” في صحيفة الثورة الرسمية، (تبشر بقدوم البشار)، ظناً من اللواء أن إضافة “ال لتعريف” كافية لتعويض “كاريزما” يفتقدها “الوريث” بالولادة.
حل بهجت بدلاً من “محمد ناصيف” في رئاسة الفرع الداخلي، بالتزامن مع “اعتلاء” بشار العرش. كما ورث اللواء عن سلفه خاصية موسعة في تسمية أعضاء القيادة الحزبية، والحكومة. بل ورئيسها، وأهم المدراء العامين في القطاع العام، مع تركيز على المؤسسات الإعلامية.
عاش اللواء بهجت شهوراً طويلة، يلعق فيها منفرداً من عسل السلطة شبه المُطلقة، إلى حين استعادة الصهر الجبري لبيت الأسد “اللواء آصف شوكت” توازنه السلطوي، وعلى مبدأ “المُحاصصة” في “الإرث” الذي تركه “حافظ”.
من لواء إلى شبيح!
قاد آصف تياراً مختلفاً في صراعه غير المُعلن مع “بهجت” على النفوذ والسيطرة، أحد ابرز شخوصه فاروق الشرع، الوزير الذي جعله بشار نائباً له “نكاية” بالمنشق عبد الحليم خدام. وفي أجواء، لا تحتمل تقاسم النفوذ، وصارت فيها المعادلة، أن “المزرعة”، لا تحتمل وجود “سائسين اثنين” معاً، إما آصف أو بهجت (مع هذا أو ضد ذاك).
ما حدث، أن صعود نجم “الصهر”، قذف بطموحات “أبي المجد” إلى التقاعد، قبل تعيينه “كجائزة” نهاية خدمة سفيراً لدى الأردن، لكن تلك الطموحات انتعشت بعد مقتل اللواء آصف، دون أن تُثمر حتى اللحظة عن عودة صاحبها إلى الدائرة الضيقة لصنع القرار، والتأثير فيه. رغم ذهابه بعيداً في ممارسة “التشبيح” قولاً وفعلاً. ولا يزال.
ولعل سليمان، لم ينس اصطفاف الشرع مع خصمه القتيل شوكت. لذا انتهز فرصة صدور “مذكرات سياسية” لتصفية حسابات شخصية .. مسكين اللواء المٌتقاعد، لم يعُد في ترسانته من أسلحة سوى “شتائم شبيح” يُكيلها لشخص، ليس بأفضل حالاته.