قال تقرير لموقع “مونيتور” إن الاشتباكات بين القوات الأمريكية وميليشيات أسد تشكل تحديات جديدة لروسيا في سوريا، وإن هذه التصادمات أثبت وجود “مزيج متقلب من اللاعبين” في شمال شرق سوريا، أبرزها مخابرات أسد وإيران والقبائل السورية وميليشيا قسد.
وفي سرد لحوادث الاصطدام مع القوات الأمريكية في سوريا، أشار التقرير إلى أن منشأة عسكرية أمريكية شرقي محافظة دير الزور، تعرضت لإطلاق صواريخ في 19 آب /أغسطس، إضافةً لسقوط عدة قذائف في محيط قاعدة أمريكية قرب حقل نفط كونيكو في 17 آب/ أغسطس، كما وقع حادث مسلح بين دورية أمريكية وعناصر من ميليشيا أسد بالقرب من مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة المجاورة، بعد أن تبادلت الأطراف إطلاق النار على حاجز، ما أدى إلى مصرع عنصر من ميليشيات أسد، حينها قالت وكالة أنباء نظام أسد (سانا) أن العنصر قتل بنيران طائرات هليكوبتر أمريكية، في حين صرحت القيادة الأمريكية أنه حدث فقط تبادل للنيران.
وبحسب التقرير، فإن هذه الحوادث بمثابة إشارة أخرى للقيادة الروسية، التي وجدت نفسها في موقع محفوف بالمخاطر للغاية فيما يسمى بمنطقة شرق الفرات، إذ لا تملك موسكو النفوذ اللازم على نظام أسد لمنع استفزازاته ضد الأمريكيين، ولا تملك القوات الكافية لتنفيذ عمليات عسكرية فاعلة. إن المنطقة المعنية هي الضفة اليسرى لنهر الفرات، والتي دخلتها القوات الروسية وميليشيا أسد في الخريف الماضي على أساس اتفاق مع ميليشيا قسد، لمنع تقدم القوات التركية خلال عملية نبع السلام.
ولا تملك القوات الروسية وميليشيا أسد في هذه المنطقة سيطرة إقليمية وإدارية كاملة – وفقاً للمونيتور – كما تواصل قسد المدعومة من الولايات المتحدة الحفاظ على وجودها، مع الإدارة المدنية التابعة لها، ناهيك عن المنشآت العسكرية الأمريكية.
وعلى عكس الوحدة الأمريكية المتمركزة في هذه المنطقة، فإن كتائب الشرطة العسكرية الروسية الثلاث في منطقة عبر الفرات محرومة من الدعم الجوي، إذ لا يمكن نشر طائرات روسية دون موافقة الولايات المتحدة التي تسيطر على المجال الجوي فوق شمال شرق سوريا. وهذا يجعل مواقع القوات الروسية وميليشيا أسد المتحالفة معها أكثر خطورة في حال وقوع اشتباكات محتملة مع مجموعات محلية، سواء كانت موالية لتركيا أو ميليشيات كردية.
في نهاية عام 2019 كان خطر التصعيد في الشمال الشرقي على الأرجح بين ميليشيا أسد و”الجيش الوطني”، الذي نفذ عملية نبع السلام بالاشتراك مع تركيا، أما اليوم فقد أصبح خطر الاشتباكات أكبر بين ميليشيا أسد وقسد منذ أن قررت الولايات المتحدة البقاء في شرق سوريا، حيث أصبحت قسد أقل ميلاً للتسوية مع ميليشيا أسد.دور مخابرات أسد
وتلعب مخابرات نظام أسد دوراً في هذا الصراع بين النظام وقسد من خلال دفع احتجاجات القبائل العربية المقيمة في دير الزور إلى انتفاضة مسلحة مفتوحة ضد قسد، ليطلب بعد ذلك بعض الوجهاء المحليين المرتبطين بمخابرات أسد من النظام التدخل لدعمهم. ولتحقيق هذه الأهداف، فإن أجهزة المخابرات على استعداد للقيام بأنواع مختلفة من الاستفزازات لتفاقم الانقسام بين قسد والقبائل، بما في ذلك القتل المأجور للسلطات القبلية التي يمكن تحميل قوات قسد المسؤولية عنها. هذا العمل الذي يقوم به عملاء أسد يؤتي ثماره بالفعل.
وكان عدد من وجهاء عشيرة العقيدات – أكبر قبيلة في محافظة دير الزور – أعلنوا عن تشكيل “جيش العقيدات” بهدف تنظيم “المقاومة الشعبية للاحتلال الأمريكي ومرتزقته”. ويبدو أنهم هم من قصفوا المنشأة العسكرية الأمريكية بالقرب من حقل كونيكو في 19 أغسطس/ آب.
ومن الجدير بالذكر أنها كانت مدعومة من أحد مشايخ قبيلة البكارة، نواف البشير، المرتبط بإيران والذي أعلن عام 2017 دعمه لأسد وأعلن بدء “حرب تحرير” منطقة شرق الفرات، ودعا إلى تشكيل قوى عسكرية وهيئات سياسية “لتنسيق القتال ضد الإرهابيين الأمريكيين والأكراد” حسب وصفه.
ومع ذلك، فإن مثل هذا السيناريو المتطرف لا يمكن أن تدعمه روسيا، التي تدرك ضعفها العسكري في شمال شرق سوريا، فضلاً عن عدم كفاية مستوى الدعم لدمشق من قبائل دير الزور (على الرغم من الولاء القوي لبعض المشايخ الأفراد). كما يخشى الجانب الروسي من أن يؤدي التصعيد في المنطقة إلى صراع مباشر بين نظام أسد وميليشيا قسد، والتي ستدعمها الولايات المتحدة بشكل مباشر. في مثل هذه الحالة، من غير المرجح أن تكون موسكو قادرة على مساعدة أسد وستضطر إلى لعب دور مراقب، مما سيؤثر سلباً على صورة الكرملين.
وفي الوقت نفسه، فإن روسيا مستعدة لتشجيع رغبة القبائل العربية في شمال شرق وشرق سوريا في تحرير نفسها من سيطرة ميليشيا قسد، لكن دون توريطهم في مواجهة مباشرة مع الأكراد والولايات المتحدة. كما ستحاول موسكو فقط جذب العرب إلى صفها من خلال إشراكهم وتجنيدهم في تشكيلات عسكرية تعمل تحت رعاية روسيا.يشير التقرير إلى أن الجانب الروسي تفاوض الخريف الماضي مع، جميل رشيد الخفال، أحد مشايخ عشيرة العقيدات، وعرض عليه “خطة مصالحة” مع نظام أسد وفق نفس الصيغة التي تم استخدامها مع الثوار في درعا جنوب غرب سوريا. في الوقت نفسه، ستصبح قوات “المجلس العسكري” في دير الزور (هيكل عسكري لقوات سوريا الديمقراطية، مكونة من قبائل عربية) أساساً لألوية جديدة من الفيلق الخامس الهجومي الذي يتلقى أوامره مباشرة من الجيش الروسي. لكن العشائر تجاهلت الاقتراح الروسي بعد أن صرحت واشنطن أن قواتها ستبقى في شرق سوريا لحماية حقول النفط.
حالياً، يمكن إحياء هذه الفكرة جزئيًا. إذ يمكننا الحديث عن جذب قوات القبائل العربية في الشمال الشرقي إلى هيكل جديد موالي لروسيا، والذي قد يصبح الفيلق السادس. لكن في المرحلة الأولى، ستنضم وحدات من القبائل العربية إلى الوحدات الموالية لروسيا فقط، دون نقل السيطرة على المناطق. كما يجب أن يشمل هذا التشكيل الجديد مقاتلين من الوحدات المحلية من ميليشيا الدفاع الوطني الموالية لنظام أسد، والتي ساعد الإيرانيون في تشكيلها.
من الجدير بالذكر أن الضفة اليمنى لنهر الفرات إلى الجنوب الشرقي من مدينة دير الزور وحتى الحدود العراقية تخضع لسيطرة مجموعات موالية لإيران مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، حيث يبدأ من مدينة البوكمال ما يسمى بـ”الممر الشيعي” الذي يربط إيران عبر العراق بسوريا ولبنان، وحيث يتم إنشاء قواعد إيرانية جديدة. وبهذا الصدد فإن منشآت الحرس الثوري الإيراني والجماعات الموالية لإيران في هذه المنطقة تتعرض لهجمات الطائرات الإسرائيلية.
وكشف مصدر مطلع لـ “المونيتور”، اشترط عدم الكشف عن هويته، أن إيران تنوي الاستمرار في تعزيز وجودها في شرق سوريا، ومن المرجح أن تستخدم لهذا الغرض، كما في درعا، غطاء الفرقة الرابعة المدرعة بقيادة ماهر الأسد المكلفة بالدفاع عن نظام أسد ضد التهديدات الداخلية والخارجية، وقد بدأت في تجنيد السكان المحليين في مدينة الميادين شمال شرقي سوريا، لوحداتها الجديدة. نتيجة لذلك، ستتمكن العديد من الجماعات الموالية لإيران في هذه المنطقة من “محاكاة” الوحدات النظامية للفرقة الرابعة. وهكذا، ستكون الفرقة الرابعة، سواء في الجنوب الغربي السوري أو في شمال شرق سوريا، المنافس الرئيسي لروسيا في استقطاب التشكيلات العشائرية والمعارضة المحلية إلى صفوف قواتها بالوكالة.
يمكن لخطط روسيا لترسيخ موقعها في شمال شرق سوريا وإنشاء تشكيلات موالية هناك، أن تحظى بدعم القبائل العربية في المنطقة. وقد يؤدي نشر الهياكل العسكرية الموالية لروسيا في شمال شرق سوريا إلى إنشاء “منطقة عازلة” هناك خالية من الوجود الإيراني. سيكون هذا بمثابة ضمان أنه إذا غادرت القوات الأمريكية المنطقة، فلن تحل محلها التشكيلات الموالية لإيران بل تلك التي أنشأتها وتسيطر عليها موسكو. في الوقت نفسه، من غير المرجح أن يكون مثل هذا السيناريو في مصلحة تركيا، التي ستحاول – رداً على محاولات روسيا ونظام أسد لتوسيع السيطرة على المناطق التي تحكمها قسد – إيجاد طريقة لزيادة منطقة نبع السلام الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لأنقرة أن تفكر في تعزيز موقعها في شمال شرق سوريا من خلال بعض التنازلات لروسيا في إدلب.
على الرغم من أن شمال شرق سوريا في “ظل إدلب”، إلا أنها في الواقع منطقة متقلبة بنفس القدر وأي حادثة تحدث هناك تحمل مخاطر التصعيد بين الولايات المتحدة وروسيا. في الشمال الشرقي السوري توجد قوات مسلحة وتشكيلات مسلحة لروسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران والأسد والمعارضة السورية والأكراد والقبائل العربية وحزب العمال الكردستاني وداعش. في هذه المنطقة أيضًا، كل هذا يخلق مزيجاً شديد الانفجار يمكن أن تشعله شرارة صغيرة.
نقلا عن اورينت نت