أدهش الشعب التركي العالمَ بأسره بتصديه لمحاولة الانقلاب، ونجاحه في إحباطها، وكان المدهش أكثر هو أن العالم شهد ولربما للمرة الأولى أنموذجا سياسيا راقيا يحتذى به، في تعاضده وتكاتفه أمام محاولة الانقلاب، فقد قوبلت تصريحات زعماء الأحزاب السياسية التركية المعارضة، الذين أعلنوا وقوفهم إلى جانب الحكومة ضد الانقلاب، بتقدير وإعجاب كبيرين من قبل الحكومة التركية نفسها، ومن قبل العالم أجمع، ولا سيما أن محاولة الانقلاب كانت ستشكل في حال نجحت، بالنسبة إلى حزب الشعب الجمهوري فرصة ذهبية ستؤهله لتولي السلطة.
فلمّا كان إدراك الشعب التركي والحكومة والأحزاب السياسية أمام الخطر المحدق بالبلاد، كبيرا إلى هذا الحد، كان لا بد لذلك الإدراك من أن ينعكس على الدول والشعوب الأخرى التي تؤيد تركيا، وتؤيد هذا الأنموذج السياسي الحضاري في تعاطيه لمثل هذه الأحداث.
العديد من الدول، حكومات وشعبا أعلنوا تأييدهم للحكومة التركية، وللديمقراطية، وقاموا بتهنئة الحكومة على نجاحها في انتصارها على محاولة الانقلاب، ولكن كيف كان الوضع بالنسبة إلى السوريين الذين يبلغ عددهم في تركيا 3 مليون، قَدِموا إلى تركيا منذ سنوات، شاركوا الشعب التركيّ المسكنَ والملبس والمشرب، وغيرهم من الأمور الحياتية الكثيرة؟
كان هناك العديد من الحوادث السلبية التي حصلت بين الشعبين نتيجة اختلاف بعض التقاليد، واختلاف اللغة، وغيرهما من الأسباب الاخرى، وهذه الحوادث تكاد أن تكون معدودة، وفردية في الغالب، وهي حوادث من الطبيعي أن تحدث، أمام هذا العدد الكبير من الحضور السوري في تركيا، إلا أن الحوادث الإيجابية مقارنة إلى السلبية كانت أكبر بكثير.
لا يستطيع أحد أن ينكر أنّ ما قدمته الحكومة التركية للشعب السوري الذي هرب من الحرب الدائرة في بلاده، تفوق مرات ومرات ما قدمته دول كثيرة لهم، ولما كانت عناية الحكومة التركية والشعب التركي بالشعب السوري كبيرة إلى هذا الحد، كان من الطبيعي أن يأخذ الشعب السوري المتواجد في تركيا، على عاتقه مشاركة الشعب التركي فرحته في انتصار الديمقراطية أمام محاولة الانقلاب، التي قام بها مجموعة متمردة من الجيش تابعة لتنظيم الكيان الموازي.
كان لافتا للانتباه المشاركة الكبيرة للشعب السوري في العرس الوطني لتركيا بانتصار الديمقراطية، كيف لا يشارك الشعبُ السوريُّ الشعبَ التركيَّ فرحته، والشعب التركي هو الذي شارك مأساته ومعاناته منذ أن خرجد من بلاده مكرها؟
العديد من السوريين شاركوا المواطنين الأتراك في السير باتجاه مطار أتاتورك الدولي، بعد النداء الذي وجهه الرئيس أردوغان إلى الشعب، للتصدي على محاولة الانقلاب، وشارك السوريون الساحات والميادين التي ملأها الشعب التركي، وإن دلّ ذلك على شيء إنما يدلّ على الاندماج الكبير بين الشعبين، بعد هذه السنوات الطويلة التي تقاسما فيها الأفراح والأتراح.
تابع السوريون عن كثب ما حدث في 15 تموز / يوليو، ترقّبوا عن كثب ما ستؤول إليه الأمور، وجاءت متباعتهم هذه خوفا على مصير الشعب التركي والبلاد التي يعيشون فيها أمام خطر الانقلاب من جهة، ومن جهة أخرى خوفا على مصيرهم في حال حدث شيء مكروه للحكومة، ولا سيما أن السبل تقطّعت بهم، فوجدوا في تركيا الملاذ الآمن لهم.
لم يكن خوف السوريين على مصيرهم فقط، وإنما كان خوفا على مصير الطيب أردوغان أيضا، كيف لا وهو الذي منذ بدء ثورتهم أعلن وقوفه إلى جانبهم ومساندتهم، وأصرّ على تسميتهم بالمهاجرين والضيوف، فلجأ العديد من السوريين إلى مشاركة الأتراك في التعبير عن رفضهم للانقلاب، ودعمهم للديمقراطية والشرعية في البلاد.
دعم السوريون المقيمون في تركيا الديمقراطية والإرادة الشعبية من خلال نزولهم إلى الشوارع، ومن خلال منشوراتهم على صفحات التواصل الاجتماعي “فيس بوك، تويتر” وغيرهما من الوسائل الأخرى، ولم يقم السوريون المتواجدون في تركيا فقط بالتعبير عن دعمهم، وإنما السوريون في الداخل السوري، عملوا على الرغم من الوضع المأساوي الذي يعيشونه على مشاركة فرحة الاتراك بانتصار الديمقراطية.
كيف عبّر السوريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن دعمهم للديمقراطية، ورفضهم لمحاولة الانقلاب؟ فيما يلي نماذج من مشاركات بعض السوريين الذين عملوا على مشاركة منشورات عبر فيس بوك وتويتر مؤيدة للحكومة وللرئيس التركي، بعضهم توجه بالدعاء لتركيا، ولحاكمها، والبعض الآخر قام بتغيير صورة صفحته الشخصية واضعا العلم التركي تضامنا مع تركيا، والبعض الآخر وضع صورة الرئيس التركي تعبيرا عن دعمه له، ورفضه للانقلاب.
ترك برس