بالطبع كل أم تحب أبناءها وتهتم لأمرهم، لكن مع غياب الزوج أو فقدانه تزداد الأعباء وتثقل المهام ما يتطلب من الأم مضاعفة الجهود والتحلي بمزيد من الصبر، وخصوصاً في وضعنا الراهن التي أرهقت الحرب الناس منذ خمس سنوات في سوريا، وخيمت عليهم طيور الأسى والحزن.
لكن الأبناء يحتاجون لما هو أكثر من الحب، وهو رؤية شعور هذا الحب، فقد تعمد بعض الأمهات إلى البعد عن إظهار المشاعر أمام أبنائهم خوفاً منهم من زيادة في الدلال في وقت ينصب فيه الاهتمام على تحصيل قوتهم والهرب من قنابل الموت المستمرة.
تقول أم عبد الرحمن (35 عاماً)” بعد وفاة زوجي في سجن صيدنايا عن اعتقال دام ثلاث سنوات وبطرق تعذيب منهجية فارق الحياة وأطفئت شمعة الدار.. آه كم من الصعب أن تعيش وحيداً في حياة فقدت كل معايير الإنسانية وبات حمل تربية الأبناء عبئاً ثقيلا، فرغم محبتي العميقة لأبنائي إلا أنني أحرص على تربيتهم بشكل يتيح لهم التأقلم مع الأوضاع الصعبة؛ فأنا أقسو عليهم ليكونوا السند والعون بعد غياب الزوج، ولا أظهر شعور المحبة الزائد، أحاسبهم على أدق الأمور وفي بعض الأحيان أشعر بعواطف الأمومة الفطرية التي تتطلب مني اللين إلا أني لا أرغب في تدليلهم ما يفقدهم صفة الطاعة، لكن أطوف عليهم وهم نيام لأقبل وجناتهم الصغيرة وأدعو لهم بالسعادة والرضا فمنهم من يبتسم رغم نومه.. موقناً بحبي العميق”.
كما أن الصغار يحتاجون إلى سماع كلمة” حبيب ماما، روح ماما” فإن أبناءنا الأكبر سنا يسعدهم ذلك الحضن الصادق أيضا.
يصرّح إبراهيم(15 عاماً) كنت أتذمر من تأمين طلبات البيت التي كثرت بعد نزوح والدي إلى تركيا للعمل، فمع صعوبة العيش في سوريا بات من الصعب على والدي تأمين حتى رغيف الخبز.. لكن كلام أمي المعسول” الله يرضى عليك حبيبي .. كان سر سعادتي”
كما تكون الأم مشغولة في الأعمال المنزلية عداك عن الأعمال الأخرى التي تتطلب المزيد من الجهد كونها بعد غياب الزوج أصبحت، المعيل الأول بعد الله للأبناء الذين يحتاجون لمتطلبات كثيرة لبناء أجسادهن الصغيرة.. أجساد لا تكبر إلا بفناء جسد آخر بحسب قول الجدة”
كما يكشف فادي (12 عاماً) من ريف إدلب رغم انشغال أمي بالعناية بأخوتي الصغار إلا أنها ترهق جسدها النحيل في أعمال الخياطة، فبعد استشهاد والدي إثر غارة جوية استهدفت سوق المدينة لم يكن لديها الخيار سوى العمل لتأمين ما يساهم في استمرار الحياة، كنت أجلس بجانبها لأتحدث لها عن مغامراتي مع أبناء الحي وعن موجة الغلاء التي سادت في الوطن، حيث أجد الرغبة لديها بالاستماع العميق في بعض الأحاديث الاجتماعية، مع إصرارها على تقديم النصح والإرشاد لي ولإخوتي كوننا نعيش في أوضاع تزداد سوءاً.
تدمدم أم عبد الرحمن” في كل مرة يتجاوزنا الموت إلى غيرنا لكن.. سيأتي اليوم الذي لن يتجاوزني.. حينها أطلب من الله حماية أبنائي من كل مكروه فهو خير الحافظين، ومع استمرار الحياة رغم الألم سيبنيها أبناؤنا اللذين كبروا قبل أوانهم”.