تكلمنا في مقال سابق عن التوازنات الاستراتيجية بين الشركاء وكيف يبدأ التحول الى أحزاب داخل المؤسسة، وذكرنا أن الخاسر الأكبر في تلك الحالة هو نجاح العمل.
وتسائلنا كيف يتم تجنب الوصول الى هذه الحالة.
نشكر كل من كتب رأيه وتعليقه على المسألة.
في الواقع لا يوجد حل واحد لتلك المسألة، فهناك عدة حلول تتباين في نتائجها ولكنها جميعا تجنب المؤسسة الوصول الى حالة الصراع على السلطة التي ذكرناها في المقال السابق.
في الغرب مثلا، يتم حل هذه المسألة باستقلال المؤسسة عن مالكيها، مع بقاء التكريم المعنوي للمؤسسين ويكتب ذلك في تاريخ المؤسسة ويحتفل به، أما المؤسسين فيتحولون إلى مجلس إدارة للشركة يملك ولا يحكم فالمؤسسة تصبح أسهم تشترى وتباع وكبار الملاك للأسهم لديهم مجلس يجمعهم، هذا المجلس مستقل عن الإدارة التنفيذية للمؤسسة ولا يتدخل في عملها، يجتمع مجلس الإدارة مرة في العام على الأقل بالمدير العام وهو أعلى سلطة تنفيذية في المؤسسة لمناقشة نتائج المؤسسة فقط وبالخطوط العريضة: الأرباح والخسائر، المركز المالي للمؤسسة، الانجازات أو الإخفاقات الكبيرة.
عند وجود مشاكل مستعصية متراكمة لم يتم حلها برغم التوصيات العديدة، يتم عزل المدير العام وتعيين غيره من قبل مجلس الإدارة، ولايتدخل أحد من مجلس الإدارة في تفاصيل عمل المؤسسة.
إذا كانت الشركة مساهمة مفتوحة فستباع أسهمها في البورصة بمعزل عن كامل الجسم التنفيذي، وقد يتغير مجلس الإدارة في ليلة أو ضحاها.
كامل العاملين في الجسم التنفيذي، ابتداء بالمدير العام الأعلى سلطة تنفيذية، والانتهاء بأصغر موظف، هم موظفون برواتب، يقاس عملهم كمجموع بنتائج المؤسسة كما ذكرنا آنفا، ولاعلاقة لأي منهم بأحد من الملاك، وليس لأحد من الملاك أي دور تنفيذي، القضية تم حلها هنا بفصل الملاك عمن يدير المؤسسة باستثناء المدير العام الذي يرفع تقاريره العامة غير التفصيلية الى مجلس الإدارة، طبعا هنا يتم اختيار المدير العام بناء على كفائته وخبرته فقط.
المؤسسة هنا مع بدايات نجاحها الكبير يتم اعادة مأسستها على أسس مهنية وبالاستعانة بخبراء خارجيين مستقلين، وتنطلق بعد ذلك لتركز على نجاح المؤسسة فقط.
الحل هذا أي فصل الملاك عن الإدارة التنفيذية هو الحل الأكثر انتشارا وخصوصا في العالم الغربي، لكن هناك حلول أخرى قد تختلف في مقدار نجاعتها لكنه تحقق ولو جزئيا التوازن الداخلي.
من أهم تلك الحلول وجود قيم شخصية لا علاقة لها بالمؤسسة بين الشركاء، بحيث تكون هذه القيم لدى الشركاء أهم وأكبر من المؤسسة.
عملت سابقا في حلب في شركة صناعية خاصة أسسها شريكان كانوا أصدقاء قبل تأسيس المؤسسة، كانت صداقتهما أكبر من المؤسسة ومن غيرها، كانوا يسهرون أسبوعيا مرة على الأقل بدون وجود أي شخص آخر وكانت هذه السهرة تعني لهم أكثر من المؤسسة، كان حرص أحدهما على عدم تضايق صديقه منه أكبر عنده من مكاسب الدنيا كلها، أي مشكلة تصل إليهما كانت تحل بلقاء فيزيائي بينهما بأبسط طريقة.
واستمر الشريكان على ذلك عشرات الأعوام، لم يستطع أحد أن يزرع شقاقا بينهما حتى أولادهما من الجيل الثاني من الملاك، كان قرار أي منهما بالنسبة للآخر مقدس بصرف النظر عن أي تفاصيل أخرى.
كان الشريكان كريمين وكان لهما باع طويل في العطاء، استمرت الشركة ببركة عطائهما وصداقتهما المميزة.
هذا ما عنيته بوجود قيمة شخصية أكبر من المؤسسة فهي في المثال الذي ذكرته الصداقة.
المؤسسات على اختلافها تحكم شكليا بنظام العمل والهيكلية التنظيمية وتوابعها، ولكنها تستمر بالروح التي فيها تستمر بالقيم المتفق عليها داخل المؤسسة.
حتى في الحل الأول الذي ذكرناه أي فصل الملاك عن الإدارة التنفيذية هناك قيم تستمر بها المؤسسة مثل قيمة العمل والمهنية والحرص على النجاح، يجب أن لانترك الروح ونغرق في الأطر التنظيمية الضرورية لكن غير الكافية للنجاح.
قديما قالوا “المركب الذي ليس فيه لله سيغرق” هذه حكمة كبيرة جدا وهي قمة في الواقعية، فاذا كنت شريكا ولم تتنازل لشريكك يوما لله فسيغرق المركب، واذا لم يكن في نتائج عمل المؤسسة حصة لله فسيغرق المركب، واذا لم يكن في تعاملك مع موظفيك حصة لله فسيغرق المركب.
نلتقي في الأسبوع القادم بإذن الله لنكمل في مايصب في نجاح الشركات والمؤسسات. مقال رأي: خليل الآغا المركز الصحفي السوري عين على الواقع