إذا ما تمكنوا من الصمود وصد القوات التركية فقد ترتفع قيمتهم في نظر الأمريكيين والروس
القدس العربي
التقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو. في لقائهما، وضع الزعيمان أساسا آخر في مبنى العلاقات المتوثقة بين الدولتين. فالحوار والكيمياء بين الزعيمين ساعد إسرائيل على تحقيق مصالحها الأمنية حيال الجبهة الشمالية، برغم «الحلف الثلاثي» ـ التدخل العسكري الروسي في سوريا الذي يجري بمساعدة إيران ومنظمة حزب الله.
لقد جرى لقاء نتنياهو وبوتين في الوقت الذي عقد فيه الروس في سوشي ـ منزل الاستجمام المحبوب من بوتين ـ المؤتمر الروسي العام، كمسمار آخر في نعش الثورة السورية. وتجدر الإشارة إلى أن معسكر الثوار في سوريا قاطَع الحدث، ولكن هذا لم يغير للروس الكثير. ففي ختام المداولات في سوشي، اتفق على تشكيل لجنة لصياغة دستور سوري جديد، وكأن غياب الدستور هو الذي شكل مصدر مشاكل سوريا. ولكن لا قلق، فبشار الأسد يمكنه أن ينتخب نفسه رئيسا حتى حسب الدستور السوري الجديد.
غير أنه مثلما في الماضي، الأقوال في جهة والواقع على الأرض في جهة أخرى. في سوريا نفسها فتحت جبهة قتال جديدة، هذه المرة بين الأتراك والأكراد. فقد بدأ الجيش التركي حملة «غصن الزيتون»، التي لا تستهدف جلب البشرى في أن الطوفان بات خلفنا مثلما في قصة نوح والغراب، بل تصفية الأمل الكردي في حكم ذاتي في القسم الشمالي من سوريا.
يتبين اردوغان مرة أخرى كقوي على الضعفاء، وفي كل الأحوال فإن تطلع الأكراد يعنيه كما يعنيه ثلج العام الماضي. والعطف يبقيه للفلسطينيين وبينما الأكراد هم في نظره إرهابيون، فإنه يعانق حماس بحرارة.
في الثلاث سنوات الأخيرة قاتل الأكراد في سوريا حرب الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش. فهم الذين احتلوا منه عاصمته، الرقة، واسقطوا – إلى جانب إخوانهم في العراق ـ الخلافة التي أقامها في المنطقة. والمساعدة الجوية التي تلقوها، مثلما هو أيضا السلاح الذي منحه لهم الأمريكيون، كانت المفتاح المهم في الطريق للنصر. ولكن على الأرض كان المقاتلون الأكراد هم الذين هزموا جهاديي داعش.
والآن، حين جاءت لحظة وجبة النصر، يتبين للأكراد أنهم دعوا إلى الحفلة ليس كأحد المحتفلين بل كإحدى الوجبات في قائمة الطعام. لقد كان الأكراد جيدين بما يكفي كي تلقي بهم واشنطن إلى المعركة ضد داعش، ولكن من اللحظة التي انتهت فيها الحرب بالنصر، فإنهم أصبحوا بلا فائدة بل وعبء، ومن هنا الاستعداد للتخلص منهم أو ببساطة تجاهلهم وتركهم لمصيرهم. لا شك أن الأكراد يتبينون كالحلقة الضعيفة في لعبة الشرق الأوسط وبالأساس كمن أحد ليس مستعدا لمساعدتهم. في واقع الأمر، من خلف الأكراد تقف الولايات المتحدة غير أن هذه تظهر كنمر من ورق او كمن تكون حساباتها الباردة من الربح والخسارة هي دوافعها، ولهذا فإنها لا تتردد في التخلص من ذخر زائد في اللحظة التي تنخفض فيها قيمته. هكذا براك اوباما مع حسني مبارك في كانون الثاني 2011 وهكذا الآن ترامب مع الأكراد.
يُخيَّل أن الأسد هو الرابح الأكبر من الورطة في شمال سوريا. فالمواجهة التركية الكردية تسمح له أن يقضم بمواظبة كل المناطق المحمية التي أعلن عنها الروس والأمريكيون بصخب قبل بضعة أشهر فقط. هذه المناطق كان يفترض أن تتمتع بالحماية من جيش الأسد، ولكن الاتفاقات هي شيء والواقع في سوريا شيء آخر تماما. وفي كل الاحوال، بالنسبة لموسكو والأسد أيضًا، ينبغي احترام الاتفاقات طالما كانت تخدم مصالحك؛ فالاتفاقات تُنوّم الخصم، وتسمح لك أن تستعد لتوقع الضربة الحاسمة في الطريق للنصر.
من شأن الأكراد أن يتبينوا أن الأقوياء فقط هم من يبقون في منطقتنا، وفقط لمن هو قوي وقادر على أن يدافع عن نفسه مضمونة المساعدة من الخارج. إذا ما تمكنوا من الصمود وضد القوات التركية، فقد ترتفع قيمتهم في نظر الأمريكيين بل والروس أيضا، وربما، الامر الذي لا يبدو أنه سيحصل، فحتى أوروبا ستستيقظ.
ايال زيسر