لم تعكس التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الأميركية جون كيري أمس في الرياض عقب لقاء جمعه بنظرائه من دول مجلس التعاون الخليجي حقيقة المطالب التي عرضها في اللقاء ورغبة واشنطن في تطبيع العلاقة بين دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، وبين إيران دون أيّ ضمانات عن التزام طهران بوقف تدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، والكف عن لعب ورقة الطائفية.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية متحدثا عن أجندة الوفد الذي زار الرياض “نريد أن نناقش مع وزراء مجلس التعاون أهمية الغضب السعودي الذي نجم عن الهجمات على بعثتيها في إيران”.
وأضاف “نقف معهم بالكامل في هذه القضايا لكننا نرى أن خفض التوتر هدف مهمّ ليس للولايات المتحدة فقط بل للمنطقة”.
وعبّر الدبلوماسي الأميركي عن الأمل في أن تفكر الرياض في احتمال “إعادة فتح سفارتها في طهران”. وقال “من المهم أن يتوصل السعوديون والإيرانيون إلى طريقة للتعايش”.
ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تحاول أن تبرز اقتراب مواقفها من إيران وكأنه أمر عادي، وأن على الخليجيين أن يتعايشوا معه، وأن يبادروا في تطبيع العلاقة معها، وهو أمر لن يرضوا به خاصة أن السعودية تعتبر أن استراتيجية الرئيس باراك أوباما في التقرّب من إيران تزيد من حالة البرود في العلاقة بين البلدين.
وقال كيري، إن بلاده تتفهم القلق الخليجي من الاتفاق النووي الإيراني، لافتا إلى أن “ثمة تعاونا أميركيا مع دول مجلس التعاون الخليجي، للعمل على بناء نظام دفاع صاروخي”.
وأضاف في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره السعودي عادل الجبير “لدينا مذكرات تفاهم، واتفاقات مع جميع دول الخليج، وقواعد عسكرية في بعض البلدان، ومبادلات عسكرية، وبرامج تدريب في مجالات الاستخبارات والأمن، وهناك مشاركة للجيوش الخليجية والأميركية في تلك البرامج”.
وتحاول الولايات المتحدة أن تعرض حمايتها لأمن الخليج من بوابة الدرع الصاروخية، لكن مسؤولين خليجيين يرون أن الأمر لا يتعلق ببناء درع صاروخية أو شراء أسلحة لإحداث التوازن مع إيران، فهذا أمر يمكن الحصول عليه من أيّ قوة دولية أخرى، لكن القضية تخص الشراكة الاستراتيجية الخليجية الأميركية والتي تشمل أبعادا متداخلة ولا يمكن تجزئتها بفصل التحالف الدبلوماسي عن صفقات الأسلحة أو المصالح الاقتصادية في سوق خليجية واسعة.
وحملت تصريحات كيري أكثر من تناقض، فمع محاولة امتصاص الغضب الخليجي على رفع العقوبات عن إيران وعدم المبالغة في مخاطر ذلك، نجده يدعم المخاوف الخليجية بالقول “نعلم أن حزب الله لديه 70 أو 80 ألف صاروخ”، متسائلًا، “ما حاجة الحزب لذلك؟ أغلب هذه الأسلحة جاءت من إيران عبر دمشق، وهذا قلق نشاطره الدول الخليجية”.
من جهته جدّد الجبير اتهامه لإيران بدعم الإرهاب، قائلًا إن “إيران لا تزال أكثر الدول رعاية للإرهاب في العالم، وهناك مسؤولون إيرانيون مطلوبون بتهم تتعلق بالإرهاب”.
ولم تقف زيارة كيري عند محاولة طمأنة الخليجيين بشأن نووي إيران ونتائج رفع العقوبات عنها، فقد كان دفع محادثات السلام في سوريا جزءا من هذه الزيارة، في ظل سعي أميركي للبدء بها رغم أن النظام السوري لم يقدم على اتخاذ أيّ إجراء لبناء الثقة مثل رفع الحصار عن الأحياء المحاصرة والسماح بدخول المساعدات، فضلا عن استمرار القصف الروسي على مختلف المدن الواقعة تحت سيطرة المعارضة.
ومن الواضح أن كيري يميل إلى موقف نظيره الروسي سيرجي لافروف الذي يريد بدء المفاوضات فورا ودون شروط مسبقة من المعارضة، مع التلويح بإشراك وفد ثان للمعارضة في هذه المفاوضات، ما يعد تحديا لمؤتمر الرياض الأخير. وهو تمش يحرج السعودية التي تعهدت برعاية حوارات بين مختلف فصائل المعارضة السورية لإقناعها بالمشاركة في المفاوضات وتشكيل وفد مشترك.
وأعلن كيري أنه تم التفاهم “بشأن إطلاق الجولة الأولى من المفاوضات”، لكن لم يستبعد أن يقبل بمشاركة معارضة أخرى في جولة جنيف حين قال “هناك سبيل يسمح بدعوة الكثير من الأطراف ذات العلاقة، بطريقة تسمح بتناغم وقدرة على دفع لهذه العملية قدمًا”.
وهو موقف جماعة الرياض بالتأكيد على ضرورة “تهيئة الظروف والمناخات المناسبة للمفاوضات”.
وقال جورج صبرا عضو الهيئة العليا للمفاوضات للمعارضة السورية إن العراقيل لا تزال تقف في وجه المحادثات. وكرر مطالب برفع الحصار عن مناطق يسكنها مدنيون وإطلاق سراح سجناء بوصفها إجراءات نص عليها مجلس الأمن الدولي.
وأضاف صبرا في أي محادثات “يجب وقف قصف المدنيين من قبل الطيران الروسي ويجب فك الحصار عن المناطق المحاصرة”.
وخرج كيري عن الحذر الذي أبداه تجاه الموقف من إيران ومن مفاوضات السلام السورية حين أعلن عن دعم واضح للسعودية في موقفها مما يجري في اليمن، قائلًا “في اليمن نواجه تمردًا حوثيًا، ونقف إلى جانب المملكة في حربها ضد هؤلاء”.
العرب