يعرف بصفتين أساسيتين أولهما، أنه يهودي وابن لأسرة داعمة للمستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، وثانيهما، أنه زوج إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، التي اعتنقت الديانة اليهودية من أجل عينيه والتي عادة ما يرفق اسمها بكلمة “المثيرة”.
يعتبر شخصية شبه غامضة، يبدو ذكيا وناضجا في بعض المرات، ويتهم أحيانا بأنه دخل جامعة عريقة مثل “هارفارد”، من دون مؤهلات سوى وساطة والده عبر إغراء الجامعة بالمال.
وثمة من يراه انتهازيا يعمل بصمت ليمرر أهدافه، ومن بين أهدافه كان زواجه من ابنة ترامب ليعزز شراكة بين عائلتين تعملان في مجال واحد هو العقارات، أو من أجل التخلص من خصومه أثناء الحملة الانتخابية لترامب.
وتحدثت إيفانكا عن زوجها قائلة: “كان بين جاريد وأبي نقاط تشابه: أنا والعقارات”، والآن يدخل عامل ثالث، رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
ولد جاريد كوشنر في عام 1981 في ولاية نيوجيرسي، وتلقى تعليمه الأساسي في مدرسة “فريش” اليهودية، ونشأ كيهودي ملتزم في عائلة ثرية وعلى مقربة من العديد من السياسيين، أكمل دراسته في جامعة “هارفارد”، على الرغم من درجاته السيئة.
وتقول دراسة نشرها دانيال غولدن، وهو صحفي في “بروبابليكا”، أن والد جاريد تبرع بـ 2.5 مليون دولار عام 1998 كي يفتح لابنه أبواب الجامعة العريقة.
في العام 2007، تخرج من كلية “ستيرن للأعمال” وكلية القانون التابعة لجامعة “نيويورك” ليحصل على الماجستير في إدارة الأعمال والدكتوراه في القانون.
استفاد من أموال والده في عقد صفات خاصة به حققت له أرباحا كبيرة، سمحت له في عام 2006، بشراء صحيفة “ذا نيويورك أوبزيرفر” مقابل 10 ملايين دولار، ومنذ شرائها، أجرى كوشنر العديد من التعديلات والتغييرات التي أسهمت في زيادة المبيعات والتحول إلى صحيفة “تابلويد”.
ويعود له الفضل في تعزيز تواجد “نيويورك أوبزيرفر” على ساحة الإنترنت وتوسيع فريق عملها من خلال سلسلة من المشاريع وعمليات الاستحواذ الاستراتيجية الجديدة..
وخلال الحملة الانتخابية لصهره جعلها المنبر الأول للدفاع عن ترامب خاصة عندما كان يتعلق الأمر بـ”معاداة السامية”، ليبعد عن صهره وبعض فريقه تهمة معاداة اليهود.
كصهره، جمع كوشنر ثورة من العمل في مجال العقارات، فهو يمتلك ناطحة سحاب وسط مانهاتن بالقرب من برج ترامب، وبعد سجن والده عام 2004، تولى تسيير أعماله في مجال العقارات.
وعزز جاريد من وجود شركة عائلته “كوشنر بروبرتي” على الخريطة العقارية في مدينة نيويورك، من خلال الاستحواذ على عدد من المباني والمشاريع العقارية في المدينة.
وبعد إعلان فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية أصبح جاريد على رأس مستشاري الرئيس المنتخب، حيث أصبح الرجل الهامس في أذن الرئيس الجديد.
ويتوقع المحللون أن يلعب كوشنر في السنوات القادمة، دورا مهما للغاية وأن يملك نفوذا يلي نفوذ نائب الرئيس مايك بينس، وربما يتقدم عليه في بعض القرارات، ويقف كوشنر في غمرة عملية انتقال حافلة بالتخبط والفوضى والتصفيات، وصفت بحلبة صراع داخلي و”تطهيرات ستالينية” و”معركة بالسكاكين” أحيانا..
ويستدل على ذلك من خلال تقارير أكدت أنه يقف وراء إقالة اثنين من أهم مستشاري ترامب، بول مانفورت وكوري ليفاندوفسكي، وكذلك إقالة حاكم ولاية نيو جيرسي، كريس كريستي. وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن عائلة كوشنر أصبحت كشخصية إدمون دانتيس (الكونت مونت كريستو) التي تنتقم من كل أعدائها، وخير دليل الاستبعاد المفاجئ لكريستي الذي يعود على الأرجح إلى خلافه القديم مع كوشنر.
وسبق لكريستي، حينما كان يشغل منصب المدعي الفيدرالي، أن تابع والد كوشنر، تشارلز، وبعد إدانته تم زجه في السجن بتهم التهرب الضريبي، والتلاعب بالشهود، وتمويل حملات بشكل غير قانوني.
ويبدو أن كوشنر هو مركز الاقتتال الداخلي في الفريق حاليا، حيث تقول مصادر، إن كوشنر ضايق الحلفاء بجهوده الأخيرة لتطهير الفريق الانتقالي من شركاء حاكم كريستي، الذي ترأس فريق الانتقال قبل أن يستبدل بنائب الرئيس المنتخب، مايك بينس.
وقد أطلقت عليه صحيفة “نيويورك تايمز” لقب “المتدخل الهادئ في حملة ترامب”.
وتتحدث تقارير متطابقة بأن جاريد لعب دورا حاسما في فوز ترامب حين أشرف على النواحي التقنية في حملة ترامب الانتخابية، بعد أن تولى مسؤولية مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في الترويج لوالد زوجته، كذلك قام بتدبيج وكتابة عدد من خطابات ترامب، وتنظيم زيارات منسقة، كما أنه تولى تصميم خطة انتقال الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض.
ويقول إيريك شميت، المدير السابق لشركة “غوغل” الذي ساهم في إنشاء المنظومة التكنولوجية لحملة هيلاري كلينتون في الانتخابات: “جاريد كوشنر كان أكبر مفاجأة في انتخابات عام 2016. وحسب ما رأيته، كان هذا الرجل يدير الحملة فعلا، وبلا موارد تقريبا”.
وأوضح شميت أن كوشنر يتفهم عالم شبكة الإنترنت بشكل عميق جدا، وتمكن من تنظيم الحملة الانتخابية بتكاليف قليلة للغاية وباستخدام أحدث التكنولوجيات.
وقال كوشنر لمجلة “فورين بوليسي”: “اتصلت ببعض أصدقائي من وادي السيليكون، وبينهم أفضل مسوقي البضائع الرقمية في العالم، وسألتهم حول السبل التي يستخدمونها للترويج”. وتابع بأن هؤلاء ساعدوه في إقامة الاتصالات بمقاوليهم.
وفي الوقت الذي كان فيه ترامب يتحدث مع أوباما في البيت الأبيض بعد يومين من فوزه بالرئاسة، فقد التقطت الكاميرات في اللحظات نفسها كوشنر وهو يتحدث مع رئيس موظفي أوباما، بالحديقة الجنوبية من البيت الأبيض.
جاريد قد يلعب دورا محتملا وغير محدد الملامح حتى الآن في “سلام” الشرق الأوسط، ويكشف تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” نشر أخيرا حول كوشنر، أنه صديق لرئيس بلدية القدس، وقد حاول مرة شراء شركة تأمين إسرائيلية، بل إن اسمي والديه مكتوبان على مستشفى في القدس، لكن لا أحد انتبه لذلك.
وقد برز احتمال دوره المرتقب بعد أن صرّح ترامب نفسه في مقابلة مع “نيويورك تايمز” بأن زوج ابنته قد يلعب دورا حتى لو كان غير ملحوظ في محاولة إحلال السلام في الشرق الأوسط.
وعقب ترامب قائلا: “أعني أنه يعرف المنطقة جيدا ويعرف الناس، ويعرف طرفي النزاع”.
وهناك من رأى في تصريحات ترامب مبالغة أبوية، لكنه عمليا يعرف المنطقة أكثر من ترامب نفسه الذي يجهلها، على الرغم من أنه مغمور ولم يسمع به الكثيرون من قبل، وقد أبدى المسؤولون الإسرائيليون المقربون من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “تفاؤلا” حيث إنهم ينظرون إلى كوشنر بوصفه حليفا لهم.
وصرح سفير “إسرائيل” في واشنطن رون ديرمر، الذي تربطه علاقة وثيقة بكوشنر، معلقا على تصريح ترامب بقوله: “لا مجال للشك بأنه يشعر (أي كوشنر) بالتزام نحو أمن إسرائيل ومستقبلها”.
ولا تبدو علاقة كوشنر بـ”إسرائيل” واضحة، فربما علاقة والده هي الأوضح، فهو يمتلك روابط قوية مع رجال الأعمال في “إسرائيل”، وله أعمال عقارية في “إسرائيل”.
ويقال إن كوشنر أدى دور الوسيط بين ترامب وشخصيات إسرائيلية مثل نتنياهو وغيره، وقد توسط في لقاء نتنياهو وترامب في أيلول/ سبتمبر الماضي، وحضر اللقاء.
غير أن مستشاري ترامب يقللون من الأمر ويقولون إن كوشنر قد يكون “ببساطة” واحدا من عدة مستشارين في الشرق الأوسط.
في مقابل ذلك، يتوقع أن تتصاعد زيارات كوشنر لـ”إسرائيل”، وربما خدمة لوالد زوجته إن لم يكن لهدف سياسي وشخصي، ومن تحدثوا مع ترامب لديهم قناعة بأن كوشنر سيكون له رأي مهم في العلاقة مع “إسرائيل”.
جاريد زار “إسرائيل” في عام 2014 عندما حاول شراء حوالي نصف أسهم شركة “فينيكس هولدنغز” للتأمين، وقد وقع فعليا مذكرة “تفاهم” لشراء 47% من الشركة من مجموعة “ديدليك غروب” بمبلغ 434 مليون دولار، وحالت متطلبات تنظيمية دون إكمال الصفقة.
وفي العام نفسه سافر والدا كوشنر إلى القدس المحتلة لإهداء أرض لمستشفى “شار زيديك”، كما وعدا بمبلغ 20 مليون دولار للمستشفى، وقد كانت والدته عضوا في لجنة تدعم المستشفى من أمريكا.
ويشارك والده كذلك في صندوق استثمار عقاري أمريكي إسرائيلي مشترك منذ 10 سنوات، ويؤكد ذلك السفير الإسرائيلي السابق لأمريكا وأحد مؤسسي ذلك الصندوق زلمان شوفال، بقوله: “إن العائلة تشارك في أنشطة كثيرة متعلقة بإسرائيل”.
وأوضحت صحف أمريكية أن صندوق “تشارلز وسريل كوشنر”، والدي جاريد، وهو نفسه عضو في إدارة الصندوق، تبرع بـ58.5 ألف دولار للمستوطنات في الفترة بين عامي 2011 و2013. ويؤكد هذه المعلومة ما ورد في الإقرار الضريبي للأسرة.
وذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن عائلة كوشنر ساعدت مؤسسات دينية متطرفة في مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلة، مثل مستوطنة “يتسهار” التي يعرف مستوطنوها باعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين.
ومن غير المرجح أن يكون لكوشنر منصب رسمي في البيت الأبيض، وذلك لأن القانون يمنع توظيف أقارب في مناصب رسمية، وأشارت تقارير إلى أن إدارة الرئاسة تدرس كل الزوايا القانونية لكي يكون كوشنر في الجناح الغربي بالبيت الأبيض في وظيفة مستشار، على ألا يكون له مرتب.
وتظل خيارات جاريد وإمكانية تعيينه بالبيت الأبيض محدودة، وذلك لعلاقته العائلية بترامب؛ وكان الكونغرس أقر عام 1967 مشروع قانون، بمنع الرئيس من تعيين أيٍ من أفراد عائلته ومن ضمنهم أصهاره بـ”البيت الأبيض”، أو إحدى الوكالات التي يشرف عليها، وذلك للقضاء على المحسوبية.
وكان هذا القانون، مرر بعد تعيين الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي لأخيه روبرت بمنصب المدعي العام.
ويمكن أن تصبح المسألة محل خلاف، فلا يوجد أي قانون يمنع الرئيس من طلب استشارات من أي شخص يريد.
كما أنه من الواضح أن تقنيي ورائدي الأعمال في الولايات المتحدة، الذي ساندوا كلينتون وعارضوا ترامب، سيستخدمون كوشنر كوسيط، ومن المتوقع أن يعول ترامب عليه وبشدة.
وهو ما يؤكده الملياردير روبرت مردوخ بقوله: “أفترض أنه سيكون في البيت الأبيض خلال فترة رئاسة ترامب، وسيكون صوتا له، ربما أقوى الأصوات بعد صوت نائب الرئيس”.
عربي 21