بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
يعتقد البعض بأننا نجونا سالمين وتجاوزنا مرحلة الخطر والعوز للحرية والديمقراطية المرتبطة بالمواطن العربي أرتباطا وثيقا لافرار منه ، وبأننا نحن المغتربون ( اللقب المنمق للمنفيون ) نشعر بالطمأنينة أو نلتمس المساواة مع أصحاب الأرض من خلال ممارسة أبسط الحقوق الحياتية ؟؟
مقدمة لاتمت بأي صلة كانت للأزمة الكورية الشمالية والتي لم تغادر صومعة الغليان منذ فترات طويلة ، وتلك المقدمة والتي تعد أكثر مصداقية من أكاذيب الأعلام وأفانينه الشيطانية تتعلق بالأزمة الكورية كما يتعلق المواطن العربي بتلك الأزمة !! بعيدا كل البعد عن دائرة الأزمات العربية والتي تكاد تحاصره من جميع الأتجاهات .
وعلى كل حال ، من الطبيعي أن يصاب بالفزع الهستيري سكان كلا من اليابان و كوريا الجنوبية أو سكان الجانب المضيء من العالم ( الشعوب الغربية ) بعد أن قام بالأمس الفتى المتهور ( كيم جونغ أون ) زعيم كوريا الشمالية بأطلاق صاروخ قض مضجع اليابان ” بلاد الشمس المشرقة” بعد أن حلق في أجواءهم دون تلقيه تصريح رسمي بالزيارة ، ولكن ماهي الداوفع والحيثيات التي قد تصيب سكان الوطن العربي بالفزع والقلق والموت يطرق أبوابهم كل مساء !!
وفي السياق العالمي ، من البديهي أن تستنفر الأجهزة الأمنية وترتعش المقرات الرئاسية للعالم الغربي بعد أن دقت ساعة الحرب العالمية الثالثة نواقيسها منذرة بأتون حرب كبرى تعيد ترتيب القوى وتطرح أجندات جديدة تدفع الأمور نحو الزاوية الحرجة !! ولكن ماالذي قد يؤرق الأجهزة الأمنية العربية حيال ذلك وهي في قمة أنشغالها بتدبير المكائد للمواطن العربي ، بالأضافة إلى أن الرؤساء العرب لم يغادروا أعتاب أمسياتهم ” الماجنة ” جراء تهور الفتى الكوري وبالأخص مع عدم تلقيهم ( الرؤساء العرب ) أوامر جديدة من أسيادهم الغربيين بالقيام بأي ردة فعل تواكب خطورة الحدث .
فمن يقطن تحت الأرض لاتربكه الأحداث فوقها !!
وكان الأجدر بالمواطنين والأعلاميين العرب قبل أبداء الرأي بالأزمة الكورية والأحاطة بجوانبها عبر تحليلات خشبية ، الألتفات إلى الحدث الأبرز والذي تأبط أنشغال الأمة العربية بالملفات العالمية دون التطرق إلى تدنيس حرمة قبلتهم الأولى ( المسجد الاقصى ) ، حيث أقتحم عضوا الكنيست يهودا غليك من حزب الليكود الحاكم بإسرائيل وشولا معلم من حزب البيت اليهودي باحات المسجد الأقصى المبارك على رأس مجموعتين من المستوطنين صباح اليوم ، وسط حماية أمنية من شرطة الأحتلال، وذلك بعد أن أزال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحظر المفروض على أعضاء الكنيست من دخول الأقصى منذ نحو عامين .
بالطبع المسجد الأقصى ليس ضمن أولويات أهتمامات الشارع العربي ، هكذا أراد المستعمرون ولهم ماأردوا !!
الأزمة الكورية الشمالية :
أجرت كوريا الشمالية تجربتين نوويتين وعشرات من التجارب الصاروخية ، منذ بداية العام الماضي، مما أدى إلى زيادة التوترات بشكل كبير في شبه الجزيرة الكورية المدججة بالسلاح والغارقة بالحسابات المعقدة ، وأدت تجربتان لصواريخ باليستية عابرة للقارات في يوليو الماضي إلى فرض عقوبات دولية أكثر صرامة على بيونغيانغ ، مع أمتناع حليفتا كوريا الشمالية ( روسيا ، الصين ) في أخر جلسة عقدت لمجلس الأمن حول تلك القضية المتأزمة وعلى عكس ماجرت العادة بأستخدام حق النقض ( الفيتو ) لأبطال العقوبات الموجهة ضد كوريا الشمالية .
كما وجاءت ردات الفعل العالمية سطحية ولاترقى إلى مستوى الحدث “الجلل” ، حيث لم تغادر تلك التصريحات عجلات مقاعد الساسة الغربيين !!
حيث توالت التهديدات لـ كوريا الشمالية اليوم من خصومها عقب إطلاقها صاروخا بالستيا عبر أجواء اليابان ، فجر قلق جيرانها وحليفتهم الولايات المتحدة ، وذلك قبل عقد مجلس الأمن الدولي جلسة عاجلة في وقت لاحق اليوم بشأن الموضوع نفسه بناء على طلب طوكيو و واشنطن . في وقت تتجه الأنظار إلى الصين للضغط على بيونغ يانغ .
وأستباقا للأحداث ، أعتقد بأن جلسة الأمن ستقتصر على تشديد العقوبات بحق كوريا الشمالية وتوجيه (عتب ) لللصين لعدم جديتها بأتخاذ موقف صارم من بيونغ يانغ يعيدها إلى صوابها ، وعلى أسوء تقدير يمكن سن قانون تشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات من أجل القيام بعمليات عسكرية فائقة الدقة والسرعة في حال قيام كوريا الشمالية بمثل تلك الأستفزازات في المرات القادمة .
ويجدر التنويه هنا ، بأن الصين تشق طريقها إلى القمة مستغلة عدة ظروف عالمية ومن بينها دفع “كيم جونغ أون ” زعيم كوريا الشمالية إلى حافة الصدام مع الولايات المتحدة والعالم ، لتشكل بكين الملجأ الأخير والسيناريو السلمي الممكن من خلاله أعادة الفتى الطائش ” كيم جونغ أون ” إلى جحره الضيق .
مكاسب ترامب من الأزمات العالمية :
بينما الفوضى والفضائح تلاحق إدارة ترامب يمارس ترامب معادلة الهروب إلى الأمام لما تحققه تلك المعادلة من وقت أضافي تشتت قوى الخصوم وتمنح الطريدة وقتا أضافيا .
كما سعى ترامب إلى تعويم الفوضى وتدويل الضجيج !! فكلما زادت الحلقات أحكاما حول رقبة دونالد ترامب وذلك بالنسبة للعلاقة مع موسكو خلال الحملة الأنتخابية الرئاسية الأمريكية ، وتلقيه أموال كانت مخصصة لتبرعات خيرية ، والتهرب من الأستحقاق الضريبي ، وحديثه المستمر عن جدار الفصل العنصري مع المكسيك .
بالأضافة إلى أمطار التغريدات العنصرية التي أمطرها ترامب للشعب الأمريكي بشأن الأشتباكات العنيفة التي أندلعت في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا والتي أدت إلى مقتل أمراة وجرح عشرين أخرين ( وتعليقا على الحادثة فهي فيض من غيض حيث هناك 6 آلاف جريمة تحدث سنويًا في الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب عنصرية مختلفة سواء الدين، اللون، العرق، الجنس أو حتى الإعاقة ) .
يحاول ترامب الأستفادة من حماقة زعيم كوريا الشمالية ودموية بشار الأسد وتقهقر القوات الأمريكية في أفغانستان وحتمية الأستفتاء في كوردستان والأزمة الكبرى في الخليج العربي ، (والتي تعد جميع تلك المعضلات أمريكية الصنع أو التسويق ) ، ل”يموء” ترامب على إيقاع مصائب الأخرين ويتنفس الصعداء !! ولأجل ذلك لن تحاول واشنطن الخروج من تلك الملفات على وجه السرعة وهنا تكمن دناءة السياسية العالمية .
ويجدر التنويه هنا ، بأنه سبق وأن هدد الرئيس الأميركي عدة مرات بأستخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية إذا لم توقف برامجها النووية والباليستية، لكن حتى الآن أكتفت #واشنطن بالقيام بتدريبات عسكرية مشتركة مع #كوريا_الجنوبية ، و لقد فسرنا الأسباب الموجبة لردة الفعل الأمريكية خلال هذا المقال .
وهنا تطفو الملاحظات التالية إلى السطح ، مامدى قدرة كوريا الشمالية على مواجهة دول العالم في حال عدم حصولها على تطمينات دولية إزاء أعمالها الأستفزازية المتكررة ، وضمن ذات السياق هل يوجد لموسكو يد في أطلاق جنون “كيم جونغ أون ” ضد الدول المجاورة له لكي يتمكن ترامب من التملص من الأزمات الداخلية التي تحاصره وذلك على خلفية العلاقة السرية بين ترامب وبوتين ؟؟؟؟
عزيزي القارىء ، يبدو بأني وحيدا أغرد خارح السرب العالمي الموازي للأحداث القادمة من شبه الجزيرة الكورية ، حيث أضع المشكلة الكورية الشمالية ضمن ” جوارير ” سياسة إلهاء الشعوب !! وبينما يشدد الخبراء على مخاطر عالية نشوب حرب في المنطقة في حال القيام بعمل عسكري ضد بيونغ يانغ ، أنصحك بالأسترخاء وأكمال السير بتفاصيل حياتك “المملة ” فلا شيء من هذا القبيل يلوح في الأفق .