تسبب نقص النشاط البشري، أثناء الإغلاق العالمي للحد من انتشار وباء كورونا العالمي، في انخفاض الاهتزازات المرتبطة بالبشر في الأرض بمتوسط 50% في الفترة ما بين مارس/آذار ومايو/أيار 2020.
جاءت هذه النتائج في بحث جديد نشر بتاريخ 23 يوليو/تموز الماضي بدورية “ساينس Science“. وقد سلط الضوء على مدى تأثير الأنشطة البشرية على الأرض الصلبة، حيث وجه الباحثون اهتمامهم إلى التمييز ما بين الضوضاء الزلزالية بشرية الصنع، والهزات الأرضية الطبيعية.
كورونا والضوضاء البشرية
مع تزايد التوسع الحضري وتزايد عدد سكان العالم، يعيش عدد أكبر من الناس في مناطق خطرة جيولوجيا، ولكن مع النشاط البشري الكثيف والمتعدد في الأوقات العادية يصعب التمييز ما بين الاهتزازات الطبيعية وبين تلك التي يسببها الإنسان.
البحث الجديد ثمرة تعاون ما بين المرصد الملكي في بلجيكا وبين خمس مؤسسات بحثية أخرى حول العالم، من بينها جامعة إمبريال كوليدج لندن Imperial College London، ونشر تقرير عنه على موقع ساينس ديلي Science Daily انتهز فرصة الإغلاق لمحاولة تحقيق هذا التمييز.
وأشار إلى أن نقص معدل النشاط البشري أثناء فترة الإغلاق بسبب فيروس كورونا قد تسبب في كبت “الضوضاء الزلزالية” الناتجة عن الأنشطة البشرية، لا سيما في الأماكن المزدحمة سكانيا.
فبعد تصفح البيانات المأخوذة من أجهزة ومحطات الرصد الخاصة بالهزات الارضية، لاحظ العلماء انخفاض “الضوضاء الزلزالية” التي تنتج عادة عن الأنشطة البشرية بمعدل 50% الفترة الممتدة ما بين مارس/آذار ومايو/أيار الماضيين.
وهي فترة الإغلاق الأطول والأكثر هدوءا في تاريخ العالم الحديث، وتميزت بإجراءات التباعد الاجتماعي وإغلاق الخدمات والصناعة ومنع السياحة وتقييد السفر.
وسمح هذا الهدوء النسبي للباحثين بتمييز إشارات زلزالية لم يتم التعرف عليها فيما سبق بسبب التشتيت الناتج عن الضوضاء بشرية الصنع. وهكذا بات بمقدور العلماء التمييز ما بين الهزات الطبيعية وبين تلك الهزات الناتجة عن أنشطة بشرية بشكل أكثر وضوحا من أي وقت مضى.
تدقيق البيانات الزلزالية
ورغم أن عام 2020 لم يشهد انخفاضا في الزلازل، فإن كبت الضوضاء الزلزالية التي يسببها الإنسان كان حدثا غير مسبوق فترة الإغلاق العالمي بسبب الوباء، إذ عادة ما تخمد الضوضاء الناتجة عن الأنشطة البشرية فترات الإجازات مثل عيد الميلاد ورأس السنة الصينية، وفي عطلات نهاية الأسبوع أيضا.وعند التدقيق في البيانات الزلزالية التابعة لمحطات الرصد العالمية من 268 محطة زلزالية في 117 دولة، وجد الباحثون انخفاضا كبيرا في الضوضاء بشرية الصنع في 185 محطة، بدءا من الصين أواخر يناير/كانون الثاني 2020، وتليها أوروبا وبقية العالم في الفترة الممتدة ما بين مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين.
ولاحظ الباحثون أن الكبت تركز في المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة، مثل سنغافورة ومدينة نيويورك، إضافة إلى مناطق نائية مثل الغابة السوداء الألمانية وروندو في ناميبيا.
كما لوحظ انخفاض كبير للضوضاء بشرية الصنع في نطاق محيط الجامعات والمدارس في المملكة المتحدة وبوسطن بالولايات المتحدة. وقد قدر هذا الانخفاض بنسبة 20% من قيمة الرصد الأعوام السابقة خلال العطلات المدرسية. كما شهدت دول مثل بربادوس، التي تزامن إغلاقها مع الموسم السياحي، انخفاضا بنسبة 50% في تلك الضوضاء.
الضوضاء الزلزالية البشرية
ويمكن القول إنه ربما تكون عمليات الإغلاق -التي سببتها جائحة فيروس كورونا- قد أعطتنا بصيصا من الأمل حول معرفة كيفية تفاعل الضوضاء البشرية والطبيعية داخل الأرض.
ونأمل أن تولد هذه البصيرة دراسات جديدة تساعدنا على فهم أفضل لنشاط الأرض، والإشارات النقية الصادرة عنها، مما يمكن أن يساعد في التحذير من الكوارث الطبيعية القادمة.
نقلا عن الجزيرة