كشف الكاتب علي المعموري -خلال حديثه في منتدى سياسي في معهد واشنطن للدراسات- عن صراع خفي بين المرجع الشيعي الأكبر في العراق آية الله علي السيستاني، والقائد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.
وقال المعموري، وهو محرر من مكتب نبض العراق في موقع “المونيتور”، وأستاذ العلوم السياسية في “جامعة سيدني”، إن نموذج قم يرتكز على “ولاية الفقيه”، العقيدة التي منحت المرشد الأعلى الإيراني سلطته، كما تم إنشاؤه على يد آية الله روح الله الخميني. وفي المقابل، يُعدّ نموذج النجف الشكل التقليدي للمذهب الشيعي بقيادة آية الله علي السيستاني.
وقال إنه “منذ عام 2003، حاول السيستاني تأسيس نظام سياسي أكثر ديمقراطية في العراق، إلا أنّ خامنئي تدخّل في ذلك النظام من خلال حشد نفوذه لدى الأحزاب السياسية الشيعية العراقية ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهي جهود حاربها السيستاني بدعمه رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الذي تبوّأ السلطة عام 2014”.
وأضاف: “اليوم، يظهر اصطفاف العبادي مع السيستاني، والتزامه بالحد من النفوذ الإيراني على أفضل نحو؛ من خلال جهود بغداد الرامية إلى وضع المليشيات المعروفة باسم «وحدات الحشد الشعبي» تحت سلطتها المباشرة”.
وأشار إلى الفتوى التي أصدرها السيستاني عام 2014، لحث “المسلمين على محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»”، حيث سلطت الضوء بشكل أوضح على التوترات القائمة بينه وبين خامنئي. ففي حين توافد العديد من المقاتلين إلى العراق استجابة لنداء السيستاني، طوّع خامنئي ممثليه السياسيين والأمنيين في «وحدات الحشد الشعبي» لاجتذاب هؤلاء المحاربين إلى دائرة نفوذه.
وبين أنه “عندما اتخذ السيستاني خطوات لضمان بقاء بعض فصائل «وحدات الحشد الشعبي» تحت نفوذه (على سبيل المثال: فصائل “المرجعية” و”العتبات” و”علي الأكبر”)، ردّت طهران من خلال وقف دعمها العسكري والمالي لها”.
وأوضح أنه خلافا لخامنئي، “يتجنب السيستاني الخطابات الطائفية التي تتناول السلفيين، أو السنة، أو الخصومة بين إيران والسعودية، بل يثبّط عزيمة مواطني دول الخليج والدول العربية عن دعم حركات التمرد ضد حكوماتهم. وبالمثل، حث أتباعه على عدم حمل السلاح على خلفية قضايا شيعية ساخنة، مثل دعم بشار الأسد في سوريا، أو معارضة الحكومة السنية في البحرين ذات الأغلبية الشيعية”.
ولفت إلى أنه “إذا ما توفي خامنئي أو السيستاني، سيبرز فراغ في السلطة، ما سيسمح للطرف الآخر بتوسيع دائرة نفوذه. فعلى مر التاريخ، خلال السنوات الخمس إلى العشر التي تلي وفاة مرجع كبير، يتنافس المرشحون فيما بينهم على تأسيس قاعدة شعبية داعمة لهم. ومن الأمثلة السابقة على ذلك وفاة عبد الكريم الحائري اليزدي وحسين البروجردي ومحسن الحكيم وأبي القاسم الخوئي”.
حالة واحد: وفاة السيستاني أولا
وقال إنه إذا توفي السيستاني أولا، “سيطالب العراقيون على الأرجح بزعيم جديد بارز في النجف؛ لتقديم المشورة الدينية، والاضطلاع بدور في السياسات والحوكمة المحلية”.
وأوضح أنه “بدا عددٌ من المرشحين في الحوزة العلمية في النجف مهيأين لأن يخلفوه، لا سيما محمد باقر الإيرواني وعبد الأعلى السبزواري و(ابنه) محمد رضا السيستاني. وسيسعى خامنئي بلا شك إلى توسيع دائرة نفوذه في النجف أيضا، إلا أنّ سلطته هناك ستكون مقيّدة بعدة عوامل”.
وأضاف: “أولا، تنبثق سلطته العظمى في إيران من مكانته السياسية في طهران أكثر من مكانته الدينية في قم. ثانيا، ليس لديه الكثير من الممثلين الذين يستطيعون ممارسة نفوذهم في النجف؛ فمحمود الهاشمي الشاهرودي، العضو في “مجلس خبراء القيادة” الإيراني من مواليد النجف، ليس لديه سوى مكتب صغير وبضعة تلاميذ هناك”.
وتابع: “أما كمال الحيدري، وهو مرجع [عراقي] درس في النجف ومقيم في مدينة قم، فينتمي إلى مذهب شيعي إصلاحي لا يحظى بشعبية بين الكثير من العراقيين”.
“وفي المقابل، يملك السيستاني شبكة قوية تضم أكثر من 600 ممثل في كافة أنحاء العراق، يمكنهم أن يشكلوا حصنا ضد نفوذ خامنئي. ومن شأن التلاميذ الناشطين في الحوزة العلمية في النجف أن يؤدّوا دورا أيضا في دعم معلميهم ليخلفوا السيستاني”، كما يوضح الكاتب.
ويختم بقوله: “تملك النجف مجموعة متنوعة من المصادر المالية المستقلة في جميع أنحاء العالم، بما فيها بريطانيا والولايات المتحدة ولبنان”.