لم يفكر السوري عبد القادر صالح الخطيب يوما بأن قصفاً بالأسلحة الكيماوية سيقضي على معظم أفراد عائلته، التي كوّنها في مدينة زملكا بغوطة دمشق الشرقية، بعد أن أتى إليها يافعاً من مدينة حلب، شمالي سوريا، قبل نحو 45 عاماً.
حكاية الخطيب (58 عاماً) واحدة من القصص المآساوية التي خلفها قصف بالأسلحة الكيماوية اتهمت المعارضة السورية ومنظمات دولية “النظام السوري” بتنفيذه على غوطة دمشق (تحيط بالعاصمة السورية)، في 21 أغسطس/آب عام 2013، وأسفر حينها عن مقتل المئات من المدنيين وإصابة الآلاف.
ويزور الخطيب بشكل متواصل قبور أبنائه وأحفاده العشرة الذين قتلهم القصف الكيماوي؛ ليدعو لهم ويستذكر أيام ومواقف دافئة عاشها معهم، ثم يعود إلى الحي الذي يقطن فيه بدراجته القديمة، ليتابع عمله في نقل المياه بين أحياء الغوطة.
وفي الذكرى الثالثة لتلك الليلة المرعبة، التي حلت اليوم، يروي الخطيب لـ”الأناضول” أحداثها، قائلاً: “في تلك الليلة كانت أصوات القصف كثيفة جداً على غير المعتاد، وكنا قد خلدنا إلى النوم بعد منتصف الليل، وبحدود الساعة (2.00) فجراً أيقظتني إحدى بناتي المتزوجات، وقالت إن طفلتها لا تستطيع التنفس، وابنة ثانية لها لا حراك فيها، حينها أوصيتها بسكب المياه عليهم لتأتيني بعد ذلك ابنتي الثانية وهي غير قادرة على التقاط أنفاسها، فاقتربت منها إلا أن قواي خارت وهويت أرضاً”.
وبينما كان ملق على الأرض، سمع الكهل السوري أصوات صراخ شديد خارج منزله؛ فطلب من أحد أبنائه أن يستكشف الأمر، ليعود ويخبره بأنه “ربما كان قصفا بالأسلحة الكيماوية”.
وعاش الخطيب وأفراد عائلته كل ساعة في الليلة “المؤلمة”، كأنها دقيقة فقط، في ظل إصابتهم بحالة من “الحيرة” و”انعدام التفكير”، معتقدا بأن “المادة الكيماوية التي استخدمت في قصف بلدتهم تحتوي على مثبط للأعصاب تجعل المصابين فيها يتخيلون الساعات التي تمر كأنها دقائق”.
ولم يتوقف المشهد المخيف هنا؛ فالعشرات من سكان الحي المستهدف شاهدهم الخطيب، أثناء إسعافه، مستلقون على الأرض وبعضهم يتقلب، وآخرون يمشون على ركبهم بعد أن خارت قواهم جراء القصف، إضافة إلى أن الكثير من الكوادر الطبية والشبان الذين وصلوا من مناطق مجاورة، لقوا حتفهم أثناء إسعافهم للمصابين.
وكانت “صدمة” رب العائلة، بعد ثلاثة أيام قضاها في المستشفى فاقدا للوعي ليستيقظ عاتبا على أفراد أسرته الذين لم يتواجدوا حوله، حتى اكتشف أن خمسة من أبنائه ممن تراوح أعمارهم ما بين (25 إلى 40 عاما) قتلوا، وأصيب اثنان، إلى جانب مقتل خمسة من أحفاده الأطفال.
ويقول بنبرة يمتزج فيها الحزن والحسرة والشوق: “حينما علمت بوفاتهم أدركت أن من يكون تحت الثرى ليس بإمكانه أن يزور أحد بالمستشفى”.
وكان من أقسى اللحظات التي واجهها الخطيب، إبلاغ زوجته بما أصاب أفراد عائلتها؛ فهي تعاني من عدة أمراض، إضافة إلى إصابتها بالقصف الكيماوي؛ ما اضطره حينها إلى إعطائها جرعة من الأدوية والمسكنات قبل إبلاغها بالنبأ الصادم.
ولعل أكثر ما يحزن الكهل السوري، بعد فقدان معظم أفراد عائلته، أن حفيده الطفل وائل بقى وحيدا بعد أن فقد والده ووالدته وشقيقه ليلة القصف.
يشار إلى أن أكثر من 1400 شخص قتلوا وأصيب أكثر من 10 آلاف آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، في هجوم شنته قوات النظام السوري بالأسلحة الكيميائية والغازات السامة، على الغوطتين الشرقية والغربية بريف دمشق يوم 21 أغسطس/آب 2013، حسب مصادر معارضة.
وأصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” (غير حكومية)، أمس السبت، تقريراً جاء فيه إن “النظام السوري خرق 136 مرة قرار مجلس الأمن 2118 الصادر عام 2013، الذي يمنع استخدام السلاح الكيميائي”.
الأناضول