لا يخفي البطريرك غريغوريوس لحّام، بطريرك الروم الكاثوليك في دمشق، تماهيه مع النظام الأسدي ورئيسه بشار الأسد: سيده الوظيفي الحقيقي الذي لا يتردّد في اعتباره كائناً خارقاً فيه من القداسة ما كان ليسوع المسيح، سيده السماوي المزعوم.
يُعرف البطريرك، منذ عشرات السنين، بقربه من السلطة الأسدية وأجهزتها المخابراتية، ويمثل بكل صراحة المدرسة التي تضع الدين في خدمة السلطة، انطلاقا من:
ـ الإيمان بما قاله القدّيس أوغسطين حول الأصل الإلهي للسلطة (ما من سلطةٍ إلا وهي من الله)، وتطبقه الأسدية منذ عام 1970 معدّلاً، بجعل رئيسها الإله الذي تصدر السلطة عنه ويجسّدها في آن معاً. بما أن لحّام لا يرى السلطة بدلالة الله، كالقدّيس أوغسطين، ويعتقد أن “كل صاحب سلطة إله”، فقد طبق، بدوره، هذا الاعتقاد على علاقاته مع حافظ الأسد وابنه بشار، وتعامل معهما كمعصوميْن، وعمل لإقناع مسيحيي سورية بعبادتهما، عبر مواعظه وخطبه، حتى ذاع صيته عميلاً للنظام، وصار من يحتكّون به يخشون أن يستدرجهم إلى كشف مواقفهم من النظام. بهذه السيرة، لقبه معظم المسيحيين “بطريرك المخابرات”، واعتبر ممثلو المؤسسات الدينية، المسيحية والإسلامية، مواقفه مزايداتٍ غرضها إحراجهم وإجبارهم على الانبطاح تحت أقدام الأسد وأجهزته، كما دأب كثيرون منهم على القول، وهم يعبرون عن تذمرهم منه، حتى في مواعظهم الدينية.
بينما تمرد مئات الكاثوليك، إناثاً وذكوراً، ضده، وخرّبوا أنشطةً عديدة توالي الأسدية، نظمها في كنائس دمشق الكاثوليكية، وشاركوا في أنشطةٍ ثوريةٍ، وحرّضوا أهلهم وذويهم عليه، وقاطعوا قداديسه.
ـ أيديولوجيا تربط التحضر بالأقليات، وتمنحها شرعيةً مفتوحةً، مهما كان النظام الذي تقيمه فئوياً وظالماً وتمييزياً. وقد التقى البطريرك، بوصفه ممثلاً مذهبياً لهذه المدرسة، مع ادعاء أيديولوجي تبناه النظام، يزعم أن سلطته علمانية، ومتقدمة على مجتمعها المتأخر، بسبب دين أغلبيته، وأنها تعمل لتمدين الأغلبية وتحضّرها، فلا ضير إن استخدمت العنف والقسر خلال ذلك، بل وتصدّت بالرصاص لأي تحركٍ يقوم به، ما دام رفضه السلطة يعني رفضه التقدّم والتمدّن، والعداء لمن يكرّس جهوده لخدمته، بالتقاء العنصرية المذهبية/ الدينية بالعنصرية، والنخبوية السلطوية بالفئوية والطائفية، تحوّل البطريرك، وهو رجل دين، من داعية سلام ومحبة مسيحي إلى وحشٍ يشارك نظاماً جلاداً عطشه إلى دماء شعبه، وغدا كارهاً للبشر مثله، فسقطت عنه صفته الدينية، وغدا رجل مخابراتٍ وخادماً للاستبداد الأسدي.
في كلمةٍ وزّعها هو نفسه، يشي البطريرك بمطارنة الكنيسة الكاثوليكية، ويعلن أن 12 من 22 منهم رفضوا دعوةً، وجهها إليهم لحضور السنودس السنوي، يوم 20 يونيو/ حزيران، ما أدى إلى فشل الاجتماع ومطالبته بالاستقالة من منصبه.
بدل أن يستقيل، نشر لحّام بياناً يعلن تمسّكه بالكرسي، ويهدّد المطارنة باستخدام صلاحياته ضدهم، بحجة رفضهم التقيد بواجبٍ ديني، يلزمهم به منصبهم، بينما أيده رئيس مخابرات القوى الجوية، اللواء جميل حسن، ووعده بالضغط على المطارنة لإجبارهم على حضور اجتماع السنودس السنوي، وأرسل مسؤول فاتيكاني خطاباً إلى المطارنة، رفض فيه سعيهم إلى إقالة لحّام، وألزمهم بحضور الاجتماع، ومعالجة الخلافات القائمة معه داخل المجمع الكنسي (السنودس)، وهدّدهم باعتبار تصرفهم “عصياناً كنسياً” تجاه البطريرك ومجمع الكنائس الشرقية في روما.
أظهرت الثورة التلاحم الوثيق بين أمراء الدين وأمراء النظام. واليوم، والثورة ضدهما وصلت إلى الكنيسة، نتذكّر سيدنا يسوع المسيح، وهو يدخل الهيكل غاضباً والسوط في يده، ليطرد منه أبناء الأفاعي من لصوصٍ وتجار دين، دفاعا عن نقاء الإيمان والشعب.
ميشيل كيلو – العربي الجديد