توجه أبو محسن –اسم مستعار- المقيم في دمشق إلى المكان المتفق عليه مسبقا مع أحد سماسرة مكاتب التحويل “الأسود” العاملة بصفة غير شرعية لاستلام حوالته القادمة من ولده في ألمانيا، وتبلغ مئتي يورو، ليقع في كمين لدورية أمنية تابعة لنظام أسد، اقتادته إلى مقرها في جرمانا، و احتجزته لأسبوع تعرض خلالها للإهانة وسيل من الأسئلة “السخيفة والتافهة”على حد وصفه، ناهيك عن الحجز على مبلغ الحوالة المرسل إليه.
كمين حوالات
قصة “أبو محسن” معيل لثلاثة أيتام قتل والدهم في بيروت إثر سقوطه من مكان مرتفع خلال عمله كـ”نجار باطون” تتشابه مع معاناة مئات السوريين الفقراء والمعدمين الذين يرزحون تحت سياط غلاء المعيشة وهبوط سعر الليرة، ليزيد نظام أسد من تعاستهم وبؤسهم عبر سرقة جزء كبير مما يردهم من حوالات على شكل مساعدات أو تبرعات من قبل أقاربهم ومعارفهم، تارة من خلال تصريف تلك الحوالات بما يقارب نصف قيمتها وفق سعر بنكه المركزي، وتارة أخرى من خلال الحجز على تلك الحوالات عبر الكمائن التي تنصبها أجهزته المسماة بالأمنية، في الأماكن العامة لإلقاء القبض على الأشخاص وما بحوزتهم من أموال أثناء عمليات -تسليم الحوالات باليد- من قبل مكاتب التحويل التي تعمل “بالأسود” .
يقول أبو محسن لأورينت: تمّ اعتقالي أنا والشخص الذي كان يسلمني الحوالة المالية، وتم تقييد يديّ وكأني مجرم، واقتادوني إلى مقر أمني في جرمانا، وهناك تم استجوابي والتحقيق معي وطرحوا علي أسئلة كثيرة”مضحكة مبكية” ومن جملة ما سألوني”مين اللي عم يدعمك وليش، ولشو عم تخططوا؟” .
هذه الأسئلة “السخيفة” وفق وصف “أبو محسن” هي جزء بسيط ضمن عمليات التحقيق التي تجريها أجهزة أمن أسد بحجة مكافحة الإرهاب لمن يقبض عليه متلبسا وهويستلم حوالة مالية بسيطة لاتكاد تسد رمق عائلة فقيرة معدمة من أحد أقاربه في بلدان اللجوء .
سماسرة الحوالات
وفي السياق علّق الباحث و المحاضر الاقتصادي أحمد عمر لأورينت نت أن الحوالات المالية التي يرسلها اللاجئون السوريون إلى أقاربهم وذويهم تشكل مصدر رزق الكثير من السوريين في مناطق نظام أسد التي تشهد وضعا معيشيا واقتصاديا متدهورا، والسعر الرسمي المنخفض 1250 للدولار عن السوق السوداء 2500 للدولار تقريبا، أي ما يقارب النصف والذي يُصرّف به النظام هذه الحوالات دفع الكثيرين للجوء إلى مكاتب التحويل “الأسود” والتي تعمل بصفة غير نظامية.
ويستطرد بالقول: يقف السوريون الفقراء أصحاب الحوالات أمام خيارين أحلاهما مر،فإما يستلمون حوالاتهم من خلال المكاتب الرسمية، وبالتالي يتم تشليحهم نصف قيمتها أو يستلمونها من خلال سماسرة العملات الذين يستغلونهم إلى أبعد الحدود ويتقاضون عمولات خيالية لقاء عملهم، ناهيك عن المخاطر الأمنية التي ربما يتعرضون لها من قبل أجهزة نظام أسد التي من الممكن أن تلقي القبض عليهم وعلى ما بحوزتهم من أموال.
ويشير “عمر” إلى أن شبكات تحويل الأموال التي تعمل بالأسود تحولت إلى مجرد مافيا تتحكم بأقوات و أرزاق السوريين مستغلة الإجراءات التي يتخذها نظام أسد في مناطقه والعقوبات الدولية التي تطاله، فهم أصبحوا أشبه بالمنشار، حيث يحصّلون عمولات مضاعفة لقاء الحوالة الواحدة، فيكسبون مرتين تارة عند تصريفها بأقل من قيمتها، وتارة عند تسليمها، وعلى الأغلب أنّ هذه الشبكات السرية مرتبطة بمخابرات النظام، وهي تقدم له خدمات كبيرة عبر تزويد مناطقه بكميات لا بأس بها من العملات الصعبة وهو ما تحتاجه خزينة الأخير الخاوية.
يشار إلى أنّ غالبية العوائل السورية في مناطق نظام أسد تعيش على الحوالات المالية الشهرية المرسلة من أقربائهم في بلدان اللجوء، وقدر البنك الدولي عام 2016 أن حجم الحوالات التي تدخل سوريا بحوالي 1.6 مليار دولار أي حوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي.
نقلا عن اورينت نت