زمان الوصل_ عبدالسلام حاج بكري
أما وقد صادرت إيران قرار المنظمات الجهادية في غزة، والمتمثلة بشكل رئيسي بحركتي حماس والجهاد الإسلامي، فقد أكملت طوق حصارها لإسرائيل، هكذا بكل بساطة، يمكن لأي مسؤول إيراني أن يدعي ويتفاخر، وسيكون صادقا لو فعل.
اجتهد حافظ الأسد كثيرا ومن بعد شبله بشار وعلى مدى ثلاثين عاما من احتلال الجيش السوري لبنان في القضاء على كل حركة فلسطينية أو لبنانية مقاومة لإسرائيل، وحقق نجاحا باهرا في ذلك، حتى خلت الساحة من الشرفاء، ليتفرّد بها “سيد المقاومة” حسن نصر الله، يد إيران ورجلها في لبنان.
وفي سوريا، شريكة المقاومة والممانعة، أعاد بشار الأسد نشر جيشه على كامل الحدود مع إسرائيل بعد أن طرد فصائل المقاومة بدعم روسي إيراني وضوء أخضر أمريكي إسرائيلي، وموافقة من السذّج في الأردن والسعودية.
اشترطت إسرائيل على روسيا إبعاد حزب الله والميليشيات الإيرانية عن الجولان وحدودها في المنطقة الجنوبية، وفي ظاهر الأمر، امتثلت روسيا وأرغمتهما على الانسحاب إلى العمق السوري، لكن ذلك لم يحصل، حيث عادتا بلباس جيش النظام السوري إلى كلتا المنطقتين وتحت راية الأسد.
روسيا تعرف ذلك، لا بل هي من اقترحت هذا المخرج لإسرائيل التي لا تريد على حدودها سوى الميليشيات التي تتلقى أوامرها من طهران، أو ظاهريا من دمشق، إذ إن إسرائيل التي تتماهى مع الادعاء الإيراني العداوة، لا تقبل بديلا عن رجالها أو من تتحكم بحراكهم حماة لحدودها.
يضطر نتنياهو إلى التوجيه بضربة صاروخية بين الفينة والأخرى للقوات الإيرانية في سوريا من أجل إقناع العالم والرأي العام داخل إسرائيل بمعاداته لإيران ومحاولة وقف تمددها “الخطر” في المنطقة، وهو بذلك يقدم الخدمة التي تريدها إيران لإقناع مواطنيها بصدقية فكرها المقاوم.
وتحمل الضربات الصاروخية الإسرائيلية تحذيرات للشريك الإيراني بضرورة الالتزام الدقيق بعدم نشر سلاح فعّال يمكن أن يسبب خطرا على إسرائيل في حالة الفوضى، وقد دمرت بعض منصات الصواريخ التي لا تقبل بوجودها، غير أنها لا تتعدى ذلك، حيث يقوم الطرف الإسرائيلي بإبلاغ الروس وربما شركائه الإيرانيين بمواعيد الضربات قبل يومين من تنفيذها، وهذا ما يمنح إيران الوقت الكافي لتحجيم خسائرها بما يطلبه الطرف الآخر.
حدود إسرائيل هادئة تماما، تسهر على حمايتها الكتائب الإيرانية جنوبا وشمالا وشرقا، لكن مبررات الحرب دائما موجودة، وعندما تحتاج إسرائيل شنّها جنوبا، تطلق حماس أو الجهاد الإسلامي بإشارة من إيران صواريخ تسقط في أراضي زراعية تقتل بعض الماشية، أو يفعل نصر الله الشيء ذاته فيحرق شجرتين ويهدم غرفة حراسة نائية، أو تكتشف إسرائيل فجأة أنفاق حفرتها الجرذان الإيرانية على الحدود الشمالية.
تمتلك إسرائيل اليوم من القوة والغطاء الدولي ما يسمح لها بإنهاء الوجود الإيراني في سورية لو أرادت ذلك حقيقة، وكذلك لجم حزب الله في لبنان، وقد سبق أن مهدت لحرب عليه عندما تحدثت عن رصد تطويره لصواريخ في بيروت.
إن كل السلاح الذي يصل للميليشيات الإيرانية في سوريا وإلى حزب الله في لبنان يسلك ثلاث طرق وكلها مراقبة بدقة من إسرائيل وأمريكا، ويمكن قطعها ببساطة، فالطريق البرية الذي يمرّ عبر البادية السورية يرصده الجنود الأمريكان بالعين المجردة، وتتفحص طائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية جزدان كابتن الطائرة الإيرانية التي تحط في دمشق وبيروت، وكذلك ربان السفينة التي تنقل السلاح إلى الموانئ اللبنانية، وكلها يمكن أن تكون أهدافا يسيرة.
هذا العدو المزمجر إعلاميا اللطيف على الأرض هو مبتغى إسرائيل، منحته بمباركة غربية سلطة الهيمنة على العراق وسوريا ولبنان وغزة، حارسا يقظا على أمنها، يدفع من خزينته، غير مستاء، لأنه يتمدد في الوقت عينه، ولن يخسر كثيرا إذا ما تخلّت عنه لأنه يتسرب عبر نشر مذهبه حيث يتواجد.
نقلا عن زمان الوصل