نت المدارس تعليق الدروس أمس السبت واليوم الأحد “للحفاظ على سلامة التلاميذ والمدرسين” بسبب القصف الجوي المكثف على المدينة، والذي يهدف إلى شلّ الحياة بشكل كامل فيها في محاولة جديدة لإخضاع هذه الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام منذ منتصف عام 2012. وتعرضت المدينة منذ ذلك التاريخ إلى للعديد من حملات الابادة التي أدت الى مقتل آلاف المدنيين.
وكانت مديرية صحة حلب الحرة، التابعة للمعارضة السورية، قد أعلنت منذ أول من أمس الجمعة خروج جميع المستشفيات في الأحياء المحاصرة عن الخدمة “نتيجة القصف الممنهج، والمستمر لهذه المشافي خلال اليوميين الماضيين من قوات النظام، والطيران الروسي”، وفق بيان المديرية. وأشارت إلى أن التدمير المتعمد للبنى التحتية الاساسية للحياة “جعل الشعب الصامد والمحاصر بكل اطفاله، وشيوخه، ونسائه، ورجاله بدون أي مرفق صحي يقدم لهم العلاج، وفرص انقاذ أرواحهم ويتركهم للموت الذي يسعى له النظام، ولم ينفك يبحث عن وسيلة للقضاء على شعبنا الصامد”، وفق ما جاء في البيان.
ودمّر طيران النظام الجمعة مستشفى الحكيم وهو مستشفى الأطفال الوحيد في أحياء حلب الشرقية بالصواريخ المظلية والبراميل المتفجرة. وعرضت وسائل إعلام مقاطع مصورة تظهر قيام ممرضتين بإخراج الرُّضع والخُدّج من الحاضنات إثر تدمير المستشفى.
وأكد ناشطون ومصادر محلية أن ما يجري في أحياء حلب الشرقية “يفوق كل وصف”، إذ تقوم قوات النظام والمليشيات بعملية تدمير ممنهج لهذه الأحياء. ويحذرون من كارثة إنسانية كبرى إذا لم يتدخل المجتمع الدولي لـ”إيقاف المحرقة”. وأشاروا إلى أن الجوع والقصف يفتك بالمدنيين فيما قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن “الناس ينامون على دوي القصف ويستيقظون على دوي القصف”.
من جهته، وصف الناشط الاعلامي عمر عرب، الموجود داخل حلب المحاصرة، الوضع الإنساني فيها بـ “الكارثي”. وقال في حديث مع “العربي الجديد” إن “كل أسباب الحياة انتهت في أحياء حلب الشرقية بعد أشهر من الحصار المحكم، ونتيجة القصف الجوي والمدفعي الذي لا يتوقف، ويطاول كل مناطق حلب المحاصرة”.
ووفقاً لعرب إن الهم الأول لأرباب العائلات “هو توفير لقمة الخبز للأطفال” في ظل نقص حاد بالمواد الغذائية وتوقف أغلب مولدات الكهرباء عن العمل. وأشار إلى أنه خلال جولته في حي الانصاري الشرقي، أمس السبت، رأى مدنيين قتلى مقطعي الأوصال إثر قصف من قوات النظام.
من جهته، أكد الناشط الاعلامي ماجد عبد النور، وهو مدير وكالة “ثقة” الإعلامية ويوجد داخل حلب المحاصرة، أن الوضع الإنساني في المدينة “منهار تماماً”. وقال في حديث مع “العربي الجديد” “أعجز عن وصف ما يجري هنا. الحصار والجوع والقصف لا يهدأ”، موضحا أن “الرز والبرغل باتا غذاء المحاصرين الوحيد”. وأشار عبد النور إلى أن مدفعية وطيران النظام لم يدعا مستشفى أو مركزاً صحياً أو مستودع أدوية إلا واستهدفاه خلال الايام القليلة الماضية، فخرجت جميع المستشفيات عن الخدمة نهائياً.
ووفقاً لعبد النور فإن القصف غير المسبوق لم يستثن مراكز الدفاع المدني، موضحاً أن مركز حي باب النيرب دُمّرت جميع سياراته وخرج عن الخدمة. كما دُمرت جميع سيارات مركز الانصاري. ويشير إلى أن مدنيين تبرعوا بسياراتهم لرجال الدفاع المدني كي يتابعوا عملهم في إنقاذ المصابين، وانتشال الجثث من تحت الأنقاض.
ولفت عبد النور إلى أن حصار الأحياء الشرقية في حلب فاق الحصار الذي كان مفروضاً على أحياء حمص القديمة، وعلى مضايا والزبداني، وسواها من المناطق السورية المحاصرة خصوصاً لجهة معاناة المدنيين. وأوضح أنه “يوجد 300 ألف مدني محاصر يواجهون قصفاً وحشياً مستمراً، وتُرتكب بحقهم مجازر، إذ يقتل ويصاب المئات منهم يومياً”، مؤكداً أنه “يعجر اللسان عن وصف أبعاد المأساة. أحياء حلب الشرقية كلها خرجت عن الخدمة، وليس فقط المشافي، ومراكز الدفاع المدني”.
عجز دولي
في غضون ذلك، اكتفت الأمم المتحدة بإبداء القلق إزاء يحدث في حلب، محذرة من نفاد المخزون الغذائي في الأحياء الشرقية من حلب والمحاصرة بشكل كامل منتصف تموز/ يوليو الماضي إثر سيطرة قوات النظام على طريق الكاستيلو شمال المدينة الذي كان شريان هذه الأحياء الحيوي. ولم تجد مناشدات دولية لتسهيل عمل الفرق الإنسانية في حلب نفعاً، إذ تواصل روسيا ونظام الأسد تحدي المجتمع الدولي على هذا الصعيد، متمسكين بخيار الحسم العسكري مع ما يحمله من تهديد بمقتل آلاف المدنيين. وكان مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يان إيغلاند قد قال يوم الجمعة إن السكان المحاصرين في شرق حلب يواجهون “لحظة قاتمة جداً”، مطالباً بهدنة انسانية من أجل إيصال المساعدات إلى حلب وإجلاء الجرحى، مشيراً إلى أنه لم يتم الحصول بعد على الضوء الأخضر من موسكو ودمشق.
وكانت قد فشلت أكثر من محاولة قامت بها المعارضة السورية المسلحة لكسر الحصار، آخرها معركة “ملحمة حلب الكبرى”. ولم ينجح مقاتلو في تطوير الهجوم للوصول إلى أحياء حلب الشرقية، وانسحبوا عن مناطق سيطروا عليها غرب حلب نتيجة القصف الجوي الكثيف من الطيران الروسي.
في غضون ذلك، أفادت مصادر بأن قوات النظام ومليشيات تساندها تحضّر للقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق لاقتحام بري للأحياء الشرقية في حلب، مشيرة إلى أن القصف الجوي والمدفعي غير المسبوق لليوم الخامس على التوالي يأتي تمهيداً له. لكن مصادر في المعارضة تؤكد أن قوات النظام عاجزة عن التقدم في أحياء حلب الشرقية، وهذا ما يفسر شراسة الحملة الجوية التي تستهدف دفع المعارضة إلى الموافقة على “مصالحة” هي أقرب إلى إعلان “استسلام”. وهو ما تؤكد فصائل المعارضة رفضه، معلنة تمسكها بالبقاء، وعدم تسليم المدينة للمليشيات.
واستخدم النظام على مدى سنوات سياسة الحصار المحكم من أجل إخضاع مناطق خرجت عن سيطرته، ونجح إلى حد بعيد في تطبيق هذه السياسة في حمص، ومناطق في ريف دمشق. واضطرت فصائل المعارضة إلى الموافقة على الخروج إلى الشمال السوري من أجل تخفيف معاناة المدنيين.
ويحاول النظام خنق الحياة بل قتلها في حلب، كبرى مدن الشمال السوري، ويستخدم أسلحة قذرة، وأخرى محرمة دولياً لفرض معطيات عسكرية وسياسية تغيّر موازين القوى لصالحه استعداد لأي عملية تفاوض قد تدفع الإدارة الأميركية الجديدة إلى عقدها.
ووفقاً للباحث المتخصص في الشؤون السورية، توماس بييريه، فإن قوات النظام تعمل على “الدمج بين القصف الجوي والجوع الناجم عن الحصار لدفع المقاتلين إلى الاستسلام”.
وبحسب ما أوضحه في حديث لوكالة “فرانس برس” أن الفرق بين الهجوم الحالي وما سبقه هو أن “أحياء حلب الشرقية باتت اليوم محاصرة بالكامل وبدأ سكانها يموتون جوعاً”. بدوره، قال الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن للأبحاث، فابريس بالانش، لـ”فرانس برس” إنه “من الواضح أن روسيا ودمشق وطهران تريد استعادة شرق حلب سريعاً. الولايات المتحدة مشلولة، يجب (بالنسبة إليهم) وضع (الرئيس الأميركي المنتخب دونالد) ترامب أمام الأمر الواقع في يناير/كانون الثاني المقبل”.
العربي الجديد – محمد أمين