حلل باحثون من جامعة كارنيغي ميلون أكثر من 200 مليون تغريدة تناقش جائحة كورونا والقضايا ذات الصلة منذ يناير/كانون الثاني الجاري. ووفقا للباحثين، يبدو أن ما يقرب من نصف هذه التغريدات التي تناقش الفيروس كانت صادرة من روبوتات.
وتقول الكاتبة إيرن رس في مقال نشره موقع “ذي هل” (The Hill) إن الروس يعملون بالفعل على إدخال الفوضى وعدم الثقة في النظام الانتخابي الأميركي والحياة اليومية الأميركية، وليس الروس وحدهم بل الصينيون والكوريون الشماليون والإيرانيين أيضا، و”الأعداء الآخرون” وربما بعض حلفائنا، ويبدو أنهم ينجحون، وهو ما يمثل مشكلة للولايات المتحدة.
تكتيكات الاتحاد السوفياتي
وتقول الكاتبة والضابطة السابقة في الجيش الأميركي في الثمانينيات، إنها أمضت الكثير من الوقت في دراسة التكتيكات التقليدية وغير التقليدية للاتحاد السوفياتي، حين كان السوفيات مغرمين للغاية باستخدام تكتيكات الحرب غير المتكافئة، وذلك بدعم التمرد والطابور الخامس والتكتيكات النفسية (بما في ذلك دعم الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم وإثارة الثورات في أكبر عدد ممكن من البلدان الصغيرة).
وتحذر الكاتبة من قدرة “الأعداء” -كما وصفتهم- على استغلال الفرقة والشرخ الموجود في المجتمع الأميركي، بهدف زعزعة استقرار عدوهم القوي، ويعد التضليل واحدا من العديد من الأسلحة وأكثرها فاعلية، حيث يصعب تتبعه ويستغل نقاط الضعف الداخلية.
إن فيسبوك وتويتر ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى هي الأدوات المستخدمة في هذه الحرب، فمنصات التواصل الاجتماعي ضعيفة للغاية. إنها توفر فرصا واضحة للاستغلال العدائي ولا يمكن تتبعها نسبيا.
ربما كان الغرض من منصات وسائل التواصل الاجتماعي في الأصل هو الاتصال والمشاركة، ولكن بمرور الوقت تظهر الأدلة المتزايدة على أن الجهات الفاعلة السيئة استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للتلاعب بشكل شائن بالمستخدمين، كما أن السياسيين يستغلونها بشكل متزايد للتضليل.
ورغم أن تويتر اتخذ مؤخرا موقف بخصوص تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن وسائل التواصل الاجتماعي لا تبذل دائما الجهد اللازم للتحقق من الحقائق، ولا تزال المعلومات الكاذبة تغمر منصاتها كل يوم.
الربح هو المهم
ويبدو أن هدف شركات وسائل التواصل الاجتماعي اليوم هو الإيرادات، والتي تحصل عليها من خلال بيع بيانات التسويق لمن سيدفع ثمنها. إنهم يوفرون لجمهورهم وسيلة للاتصال، وبذلك يحصلون على جميع المعلومات التي يمكنهم الحصول عليها عن ذلك الجمهور، ثم يبيعون المعلومات بغض النظر عما إذا كان من سيشتريها مدفوعا بنوايا حسنة أو سيئة.
لا يوجد موقف أخلاقي طالما أن مثل هذه الشركات تولد بيانات قابلة للبيع، وكلما زادت حدة الاتصالات، زادت قدرتها على استهداف أسواقها.
لا يتم فحص المشاركات و”الميمات” والرسائل للقضاء على التضليل؛ ويستفيد المحافظون والتقدميون على حد سواء من المعلومات الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن الأمثلة الأخيرة: مجموعة من المنشورات المزيفة يظهر فيها رجل يشبه ضابط شرطة مينيابوليس ديريك تشوفين -المتهم بقتل جورج فلويد ذي الأصول الأفريقية- وهو يرتدي قبعة عليها “اجعل أميركا رائعة” (وهو شعار حملة ترامب الانتخابية)، كما تظهره أيضا على خشبة المسرح مع ترامب في إحدى الفعاليات.
وقد انتشرت الصور بشكل كبير مثيرة المزيد من الجدل، على الرغم من اكتشاف أن الصور مزيفة، لكنها كانت بمثابة الشرارة للذين يعارضون وحشية الشرطة.
يتم تمرير الرسائل الزائفة لأنها تعكس مشاعر الشخص الذي ينشئ المنشور، أو المشاعر التي يريد التحريض عليها من قد يراه. ولا يقوم معظم المستخدمين بتحليل المعلومات التي تظهر لهم من خلال هذه المنصات، فإذا وافقت المنشورات مشاعرهم، فمن المحتمل أن يمرروها دون أخذ الوقت الكافي للتحقق مما فيها، ولسوء الحظ كثيرا ما تحتوي هذه المنشورات على معلومات مضللة أو أنصاف حقائق أو أكاذيب صريحة.
يُعد الاستمرار في مشاركة المعلومات الخاطئة أكثر ضررا مما هو مفيد، إنه يسمح للخصوم بأن يتجادلوا حول الدقة بدلا من القضايا الأساسية.
تتمتع مواقع التواصل الاجتماعي بالقدرة على توفير اتصال لا يمكن تخيله، لكنها عرضة للتلاعب الخارجي الخبيث. فالحسابات الوهمية التي يتم توليدها من الخارج تهدف في الغالب إلى بث الانقسام الاجتماعي والسياسي والعزلة، كما تشير أبحاث جامعة كارنيغي ميلون.
وتختم الكاتبة بالقول إنه نظرا لأن شركات وسائل التواصل الاجتماعي قد اتبعت إلى حد كبير نهج “عدم التدخل” في التحقق من المعلومات المنشورة على منصاتها، يتحمل كل منا مسؤولية فردية للتحقق من المشاركات التي نتلقاها.
وهذا يعني تخصيص وقت للقيام بالبحث اللازم، وتحذر من أننا إذا لم نتحمل هذه المسؤولية كمستخدمين فرديين، فإننا محكوم علينا باتباع طريق كل القوى العالمية العظيمة الأخرى التي انتهت إلى مزبلة التاريخ.
نقلا عن الجزيرة