من المشاهد الفريدة أو من الحالات الطارئة والغريبة حتى في العديد من الدول التي عانت من تبعات الحرب الأهلية في تاريخها, أن تجد مدينة واحدة موحدة, قد تم فصل أحيائها عن بعضها إلى قسمين متجاورين ومتحاربين, لا يفصل بينهما جدار كجدار الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أو كجدار برلين التاريخي الشهير, وإنما يفصل بينهما خطوط اشتباك تمتد لمسافات طويلة قد تصل إلى ما يقارب العشرة كيلو متر, ويربطها القناصة الذين يختبئون في الأبنية المتقابلة من الجهتين على طول هذا الخط الناري.
هي مدينة “حلب” اليوم, التي باتت مقسمة إلى قسمين, حيث بات الحلبيّون يطلقون على الأحياء الثائرة اسم “حلب الشرقية” وهي الأحياء التي تسيطر عليها فصائل المعارضة والجيش الحر, وحلب الغربية التي ما زال النظام يسيطر عليها حتى هذه اللحظة, ورغم القصف الشديد الذي طال أحياء حلب الشرقية وبمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة بما فيها الطيران الحربي والمروحي, نلاحظ أن المدنيين لم يغادروها تماما, بل تشير الإحصائيات غير المؤكدة أن داخل مدينة حلب المحررة لا يزال هناك أكثر من “300” ألف نسمة من السكان وهم مهددون بالحصار في أي لحظة, لأنهم يعتمدون على منفس واحد فقط يؤمن لهم الدخول والخروج من المدينة ولا سيما باتجاه ريف حلب الغربي ومنه إلى كامل محافظة إدلب, لهذا السبب أطلق عليه الحلبيون اسم “شريان الحياة” كما يقول “أبو ليث أيوبي” أحد سكان حي الشعار “بالنسبة لي أنا لا أنظر إلى الشريان الذي يوجد داخل أنسجتي بأنه مصدر استمرارية الحياة, لأنه إن قُطِع فسأموت أنا بمفردي, أنا أنظر إلى طريق “الكاستيلو” إنه شريان الحياة, لأنه إن قُطِع -لا سمح الله, فإن الآلاف من العوائل الحلبية في حلب الشرقية ستموت !”.
ومما لا شك فيه أن النظام يحاول وبشتى الوسائل والطرق أن يقطع هذا الشريان الوحيد لمدينة حلب, بحيث ينقل خطة تطبيق الحصار التي اتبّعها في ريفي دمشق وحمص إلى أحياء حلب المحررة, لذلك بات النظام في الأشهر الأخيرة ولا سيما بعد أن تمكن من فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء تحديدا, بات يكثف ويصعِّد من وتيرة الغارات بالطيران الحربي فضلا عن القصف المدفعي المركز على نقطة الطريق بالإضافة إلى عمليات القنص المتعمدة, التي يقوم بها عناصر من وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على حي الشيخ مقصود والمطل على طريق “الكاستيلو”, وهم من توجه إليهم الفصائل أصابع الاتهام بالتواطؤ والتعامل مع جيش النظام ومساعدته لحصار المدنيين والفصائل العسكرية داخل مدينة حلب الشرقية عن طريق قطع طريق “الكاستيلو”.
وفي أحد التقارير التي نُشِرت على الموقع الرسمي لقناة “روسيا اليوم”, تمت الإشارة إلى المخططات التي ينوي النظام بمساعدة روسيا تحقيقها على الأرض من الناحية العسكرية, وهي استكمال تقطيع أوصال الفصائل والثوار وإجبارها على خوض ثلاث معارك على ثلاث جبهات: جبهة جيش النظام, جبهة الأكراد, جبهة تنظيم الدولة الإسلامية.
والهدف هو السيطرة على المناطق الشرقية والمناطق الشمالية من مدينة حلب, فك الحصار الذي تفرضه المعارضة على حي الشيخ مقصود, وفي حال نجاح الجيش في ذلك, فإن فصائل المعارضة, إما أنه تصبح محاصرة داخل المدينة, أي بين فكي كماشة قوات النظام في منطقة “حندرات” شرقا, والقوات الكردية في حي “الشيخ مقصود” غربا, أو تنسحب إلى خارج المدينة نحو الشمال أو الغرب, وهذا ما يفسر لنا عودة جبهة الملّاح من جديد حيث تدور بها معارك عنيفة منذ نحو عشرة أيام, تهدف قوات النظام من خلالها إلى التقدم وقطع طريق “الكاستيلو”, المنفذ الوحيد لفصائل الثورة والجيش الحر المقاتلة في الأحياء المحررة لمدينة حلب.
لذلك تستميت فصائل الجيش الحر في الدفاع عن جبهة الملّاح, وتحاول بكل عزمها الحفاظ عليها حتى لا تكون الخاصرة الهشة التي ستؤدي خسارتها إلى قطع شريان حلب “طريق الكاستيلو”, لأنهم يدركون تماما الخطورة الكبيرة الناتجة من سيطرة قوات النظام على كامل الملّاح, التي ستؤول حكما إلى حصار أحياء المعارضة داخل المدينة.
المركز الصحفي السوري- فادي أبو الجود