يؤمل من الضباط السوريين المنشقين عن جيش النظام، استعادة زمام المبادرة حين يعلنون عن ولادة تشكيل عسكري جديد، تحت اسم “قوات الردع الثورية”. تعكس هذه الخطوة التي اتخذت قبل أيام، نوايا هؤلاء الضباط الذين يأملون، شأنهم شأن الكثير من السوريين، أن تكون مقدمة لإعادة الروح لـ”الجيش السوري الحر”، في مرحلة “شديدة التعقيد” في سورية، التي باتت ساحة لـ”قوات” و”جيوش” و”ألوية”، سِمتها المشتركة أنها عاجزة عن توحيد صفوفها في قتالها ضد قوات النظام والمليشيات الطائفية المتحالفة معها.
ويقول من كان يعرف بقائد “المجلس العسكري الثوري” في حلب، العميد زاهر الساكت، في بيان ألقاه في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، إن تشكيل “قوات الردع الثورية” جاء “نتيجة الظروف التي تمر بها سورية، والتحالفات المشبوهة لإجهاض ثورتنا”، موضحاً أن عدداً من “الضباط الأحرار” قرروا “إعادة الثورة إلى مسارها الشعبي الحقيقي”. ويضيف أن القوات الجديدة التي سيتولى قيادتها بالاشتراك مع اللواء محمد فارس، واللواء محمد الحاج علي، وبمساعدة مجموعة من الضباط المنشقين عن جيش النظام، ستضم 11 فصيلاً عاملاً على جبهات القتال، آملاً في أن تكون هذه القوات “نواةً للجيش السوري الحر الوطني”.
تجدر الإشارة إلى أن قادة هذا التشكيل الثوري الجديد هم شخصيات وازنة على الساحة العسكرية السورية، في مقدمتهم اللواء محمد فارس، الذي هو أول رائد فضاء سوري، والذي صعد ضمن برنامج “الفضاء السوفياتي في مركبة الفضاء “سويوز أم3” إلى المحطة الفضائية الروسية “مير” في 22 يوليو/تموز 1987، مع رائدي فضاء روسيين، ليحظى بعد ذلك بشهرة واسعة في سورية، الأمر الذي تجلى بإطلاق اسمه على عدد من المدارس. وتسلم فارس عدداً من المناصب داخل المؤسسة العسكرية السورية، ولكن جرى تهميشه بعد ذلك وخاصة مع تولي بشار الأسد للسلطة في عام 2000. وتعرض فارس لتهديدات بالقتل بسبب تأييده للثورة، وخروجه بمظاهرات في دمشق، فاضطر إلى إعلان انشقاقه في نهاية عام 2012 ومغادرة سورية إلى تركيا، حيث يقيم في اسطنبول منذ ذلك الحين.
قوية ناتجة عن كونه كان يشغل منصب رئيس شعبة الحرب الكيميائية في الفرقة الخامسة في الجيش السوري قبل أن يعلن انشقاقه في بداية عام 2013، ليتولى رئاسة “المجلس العسكري الثوري” في حلب، حيث خاض مع فصائل “الجيش السوري الحر” عدة معارك دفاعاً عن المدينة وريفها.
وتزدحم الأرض السورية بالعديد من “القوات” و”الجيوش” التي تم تشكيلها على مدى سنوات الثورة المسلحة، والتي لم تستطع توحيد كلمتها والعمل تحت راية وقيادة واحدة لمواجهة قوات النظام وعشرات المليشيات الطائفية الممولة من الحرس الثوري الإيراني. وتعد قوات “الردع الثورية” أول تشكيل عسكري سوري معارض يضم ضباطاً يحملون رتباً رفيعةً، بقيت لعدة سنوات بلا عمل عسكري حقيقي، إذ تشير التقديرات إلى أنه جرى تهميش عدد كبير من ثلاثة آلاف ضابط سوري، انشقوا عن جيش النظام منذ منتصف عام 2011.
ولم تلق خطوة تشكيل “قوات الردع الثورية” ترحيباً واسعاً من فصائل المعارضة السورية، التي تقاتل قوات النظام في الشمال السوري وخاصة في حلب وريفها. ويشير المتحدث باسم “جيش المجاهدين” في حلب، النقيب أحمد أمين ملحيس، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن القوات الجديدة ليس لها ارتباط بالداخل وسيكون “محكوم عليها بالفشل”، وفق قوله. ويضيف ملحيس أن العسكريين المعنيين بالإعلان عن ولادة التشكيل القتالي الجديد، لم يذكروا أسماء الفصائل الناشطة على الأرض والتي يؤكدون أنها تشكل ركيزة هذه القوات الجديدة، معتبراً أن وجود ضباط برتب رفيعة على رأس هذا التشكيل الجديد “ليس مهماً”. ويوضح ملحيس أن أهمية أي تشكيل جديد تنبع من وجود قيادته في الداخل السوري.
ويقلل أحد ضباط الجيش السوري الحر، فضّل عدم ذكر اسمه، من أهمية التشكيل الجديد، معتبراً إياه استمراراً لحالة “الفوضى العسكرية في المعارضة السورية”، ومشيراً إلى أنه لا يعوّل عليه، على الرغم من النوايا الصادقة من قبل الضباط الذين أعلنوا عن تشكيله. ويرى الضابط نفسه أن “الجيش السوري الحر” بات بأمس الحاجة لدعم إقليمي جديّ وخاصة من تركيا والأردن، على صعيدي التدريب والتسليح. ويتساءل في هذا الإطار: لماذا استطاع رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، تدريب آلاف الضباط والعناصر السوريين الأكراد، المنشقين عن جيش النظام، حتى باتوا قوات يُعتمد عليها في القتال، في حين فشلت الدول الإقليمية في دعم تشكيل جيش وطني سوري له قضية واضحة، ويتمتع بتدريب وتسليح قادر على تغيير المعادلات ومواجهة قوات النظام وحلفائه، خاصة الميليشيات الطائفية والتي تعيث فساداً وقتلاً في سورية.
سؤالٌ يلخّص عمق محنة “الجيش السوري الحر” الذي أعلن تأسيسه العقيد رياض الأسعد، في يونيو/تموز 2011، إلى جانب العسكريين المنشقين من جيش النظام، للدفاع عن المتظاهرين السلميين ومواجهة قوات النظام والأجهزة الأمنية، في خطوة جعلته ينال ثقة السوريين. ولم يتأخر هذا الجيش عن طرد قوات النظام من مدن وبلدات سورية عدة. لكنه سرعان ما بدأ دوره يتراجع بسبب قلة الدعم السياسي والعسكري من قبل الدول الإقليمية، والقوى الدولية الفاعلة في الملف السوري وخاصة بعد رفضه توجيه البندقية باتجاه تنظيم “الدولة الاسلامية”، ومهادنة النظام.
العربي الجديدـ محمد أمين