على الرغم من الأثر الصادم لصورة وحالة الطفل السوري “عمران” الذي تم إنقاذه هو وأسرته في حي “القاطرجي” بحلب، منذ أيام، والذهول الذي لف وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، إلا أن الإعلام الإيراني، ومن خلال قناته الشهيرة الناطقة بالعربية، قال في تقرير مصوّر وتحت عنوان: “كواليس مسرحية الطفل السوري عمران” إن هذا الطفل: “أُريد له أن يحارب وطنه بمسرحية هزلية دون أن يشعر أو يرغب”!
على حد زعم القناة في تقريرها الذي تحول إلى “شِعار” في إعلام نظام الأسد وأنصاره على وسائل التواصل الاجتماعي التي حفلت بتعابير من مثل: “بازار الأطفال السوريين!” و”المتاجرة بأطفال سوريا” ومن مثل هذا السؤال: “لماذا يتم التركيز على صورة عمران؟!”. و”انتقاء هذه الصورة وتوزيعها”. وما قالته القناة الإيرانية ذاتها في تقريرها، إن الطفل عمران كان “ضحية تمثيلية” ووصفت دموع المذيعة الأميركية التي انهمرت حزناً عليه بأنها “دموع تماسيح على الطفل السوري عمران”!.
وكذلك التعبير الذي سخر من التغطية الإعلامية الدولية لخبر الطفل السوري “عمران”، والذي استخدمته صحيفة “الأخبار” اللبنانية التابعة لميليشيا “حزب الله” اللبناني بعنوانها: “عمران أفلت من وحشية الحرب فقصفه الإعلام الأجنبي”!. وتعبير “الإعلام الدولي القذر” الذي تولت ترويجه صفحة “شبكة دمشق الحدث الإخبارية” الفيسبوكية الموالية رداً منها على كشف جرائم الأسد وحلفائه في سوريا، وهي الصفحة التي احتفلت بنشر دفاع خاص عن روسيا التي اتهمت بقصف المنزل الذي كان يقيم فيه عمران، واعتبرت أن صورة عمران كانت “مادة دسمة” لاتهام “الطيران الروسي باستهداف منزلك”!
وكان تقرير القناة الإيرانية السالفة، صورة مكبّرة عن رد فعل أنصار الأسد، الذين تعاملوا مع مأساة الطفل السوري عمران بكل استخفاف وإنكار، في الوقت الذي تحول فيه “عمران” إلى أيقونة للحرب السورية، كما ورد في تغطيات خبر إنقاذه، وأصبح الصوت البريء المندّد بجرائم نظام الأسد.
التعبير الذي استخدمته القناة الإيرانية، بأن مأساة الطفل السوري عمران، هي “مسرحية” أصبح بدوره إشارة البدء لأنصار الأسد، بالتعامل مع هذه المأساة الإنسانية، على اعتبارها “وثيقة إدانة” لنظامهم ينبغي تغييبها أو حرقها أو إتلافها. فحفلت وسائل التواصل الاجتماعي، بصفحات أنصار الأسد، وهي تتعامل بالإنكار ذاته الذي عمّمته عليهم وسائل الإعلام الإيراني، التي تعتبر إدانة نظام الأسد، عبر وثيقة كوثيقة الطفل عمران، هي إدانة لنظام الملالي أيضا المشارك بقتل السوريين في حلب وغير حلب.
الصفحات الفيسبوكية المناصرة لنظام الأسد من مثل: “شبكة أخبار اللاذقية” و”طرطوس الآن” و”دمشق الحدث الإخبارية” و”شبكة أخبار حلب والريف الشمالي والشرقي” “وضيعتنا مرمريتا” وكل الصفحات الفيسبوكية التي تحرر من الساحل السوري، بدون استثناء، تعاملت مع خبر الطفل السوري عمران من الزاوية التي تعامل بها الإعلام الإيراني، وهو “إتلاف” الوثائق التي تدين إجرام الأسد بحق السوريين.
فحفلت كل هذه الصفحات بكل تعابير الاستخفاف والنيل من الطفل والخبر الذي لفّ وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم، إلا أنهم، وعبر مبدأ الإنكار “الذي يمهر به رئيس النظام” على حد تعليق معارض، قرّروا إتلاف تلك الوثيقة والتعامل معها كما لو أنها لم تكن، من خلال تكرار ما قاله لهم الإعلام الإيراني والقول إنها “مسرحية”.
والإضافة التي قدّمها أنصار الأسد على الإعلام الإيراني الذي عمل على “إتلاف” تلك الوثيقة، هي اتهام معارضي الأسد بها، في قلب للحقائق يرقى الى مستوى “التضليل الجنائي” الذي يعد اشتراكاً مع صاحب الجريمة الأصلي.
نشاط أنصار الأسد لإتلاف تلك الوثيقة التي تضاف الى سجل قائدهم الحافل بالجرائم والانتهاكات، اصطدم بالحقيقة التي روّعت العالم كله، وهي أن صمت الطفل “عمران” الناتج عن التأثر الحاد بالصدمة، كرد فعل عصبي يمكن أن يصيب الراشدين أيضا نتيجة للإحساس بهول مفاجأة أو حدث غير متوقع، كان أبلغ من أي كلمة، وتحولت نظرته المستغربة المتسائلة إلى وسْم لجرائم الأسد وآثارها في العالم.
قوة خبر الطفل السوري عمران، تكمن في أنه “شهيد حي” على غير المعروف بأخبار مثيلة، عندما يكون محور الخبر قتيلا، كحالة الطفل السوري الغريق “إيلان” أو مفقودا كحال الآلاف من أطفال سوريا بعد حرب الأسد على شعبه. بل بقي عمران المتسائل المستغرب، وبنظرته العاجزة عن فهم ما يجري حوله جراء صدمة القصف الأسدي، حياً وشاهداً جَمَع مآسي أطفال سوريا والعالم بثوانٍ.
ولعل الصدمة التي سيطرت على الطفل السوري “عمران” أنتجت صدمة معكوسة لدى أنصار الأسد وإعلام إيران الشريك بقتل السوريين في بلدهم، فرأت أن هذا الطفل “الأيقونة” أُريد له أن “يحارب وطنه..” في جريمة إعلامية ترقى إلى درجة الاشتراك المباشر بجريمة قصف منزل “عمران” والذي ذهب ضحيته شقيقه علي، بعد ساعات، متأثرا بجروحه التي أصيب بها.
العربية