أيام تشرين الثاني أحب الأيام لأهالي مدينة قدمت أرواح الكثير من الأبرياء مقابل حريتها وماتزال في ظل نظام يصعد من طيرانه الذي لا يكاد يغادر سماء المدينة، ففيه طقوس جميلة أهمها قطاف ثمار الزيتون الأكثر متعة بعاداته القديمة الموروثة من الآباء والأجداد،
أعراس وأفراح توارثها المزارعون تمتزج بفرحة العطاء لأراضيهم الخضراء الممتدة من الريف إلى المدينة.
أول أيام نسمات الشتاء هي أنسب المواعيد لقطاف ثمرة الزيتون، حيث يمكن الاستدلال على نضجها من مظهرها ولونها، فالزيتون الملون بالأسود بنسبة 60% قد يكون الأفضل لاستخلاص الزيت
ورغم قلة حمله أحياناً إلا أن الرضا بدا واضحاً على وجه أم محمد (46 عاماً) لدى حديثنا معها في جولتنا الصباحية لبساتين أهالي المدينة المنتشرة على أطراف المدينة كالسوار المحلق بالمعصم قائلةً “مشاعرنا بين أيدينا دوماً تتبدل لكن مع نعمة تكثر أحياناً وتقل أحياناً نحافظ فيها على الرضا والتفاؤل بالخير عل بدوامها يعم الخير على الأهل، ممن عانوا من سنين طوال منعتهم من النظر حتى لأشجارها النضرة”.
ورغم تجمع الغيوم أحياناً وهطول الأمطار بعد عدة ساعات من بدأ العمل حيث يجمع الأهالي أمتعتهم ويعودون أدراجهم بعجلة كبيرة إلى بيوتهم هرباً من أمطار غزيرة، إلا أن الخوف من الطيران المستهدف يوقع الرعب ويمنع استراحة الغداء التي تكون فرصة لمعاودة النشاط المبكر من الصباح حتى المساء مع صعوبة القطاف وبطئها كونها تعتمد على الأيادي ومدى همة العمال.
أشجار الزيتون تحتاج للرعاية المستمرة باستخدام الأدوية لمكافحة الأمراض التي تصيب الشجرة والتي انتشرت بكثرة بعد تأزم الأوضاع وفقد الأدوية من الأسواق مما أدى لتراجع الإنتاج عن السنين الماضية وعلى قول الجدة أهم محمد ” الشجرة والأرض على قد ما بتعطيها بتعطيك” .
على الرغم من شهرة مدينة إدلب بزراعة الزيتون الذي يعد المصدر الاقتصادي الرئيس، إلا أن الأهالي يعانون من مشاكل عديدة أهمها عدم وجود أماكن للعصر، فهي إما مغلقة بسبب تهجير أصحابها أو فقدانهم بظروف صعبة من اعتقال أو موت نتيجة القصف أو مهدمة أو مهددة بالقصف.
قلة المعاصر كانت سببا رئيسيا بارتفاع أجور العصر فضلاً عن الكميات الكبيرة من الزيتون والتي تؤدي لتأخر بعض الأهالي في عصر ثمار محصولهم.
أبو محمد كشف لنا متابعاً حديث زوجته قائلاً “حتى شوارع مدينتي تشاهد فيها أشجار الزيتون ليسعد منظرها الدائم الخضرة عيون المارين، ومن ثمارها المعري والصوري، قسم يصلح للتخليل بنوعيه الأخضر والأحمر وقسم يصلح للزيت”.
وفرة ثمار الزيتون جعلها أولى الأطباق على موائد الأهل كطبق غذائي هام، عداك عن الأطعمه المميزة “بالزيت” التي تعلو فيها كمية وفيرة تدل على كرم أهلها متباهين بطعمه اللذيذ .
المركز الصحفي السوري- بيان الأحمد