التعليم السوري على كف عفريت
في كل دول العالم تكون مهمة وضع المناهج الدراسية منوطة بخبراء ومختصين بالتربية، وقد ويتطلب وضع منهاج دراسي مدة لا تقل عن 3 سنوات من الاستقصاء والبحث واجراء الاستبيانات ومراعاة سياسة البلد والطبيعة الديموغرافية للسكان ومن ثم يأتي دور المنهاج التجريبي للتأكد من مدى فاعليته.. ويتطلب هذا المنهاج أيضا طاقما تدريسيا مميزا مؤهلا بشهادات جامعية ودراسات تخصصية فوق أكاديمية لتطبيقه بالشكل الأمثل.
اليوم في سوريا وفي ظرف 6 أشهر يوضع منهاج دراسي ويدرب عليه مدرسون وتطبع الكتب مباشرة كي تدرّس.. هذا ما يحدث في الحسكة الآن!
الحسكة مدينة سورية تقع في الشمال الشرقي على نهر الخابور وهي مركز محافظة تسكنها قبيلة طي العربية الشهيرة إضافة الى الجبور وشمر والمغمورون (نسبة إلى قرى الغمر التي أجبرت على التهجير من الرقة لتحويل مناطقهم إلى بحيرة الأسد وسد الفرات). تضم الحسكة أيضا أقلية كردية وأقلية سريانية أصغر، والآن يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي..
طبعت هيئة التعليم في الإدارة الذاتية أكثر من 500 ألف كتاب من المنهج الكردي، ودربت 2600مدرس ومدرسة ليكونوا مؤهلين لتدريسه على مدة 6 أشهر وكانت الهيئة أقرت في مؤتمرها المنعقد في حزيران الفائت بدء تطبيق المنهج الكردي الذي أعدته، في مدارس مقاطعات الإدارة الذاتية، عفرين وتل أبيض وغيرها، بل العمل على إحداث جامعة وهي بالتأكيد خطوات على طريق الانفصال..
وبغض النظر عن مطالب الأكثرية العربية الموجودة هناك التي ستُجبر إما على الالتزام بالمنهج الكردي المزعوم أو سيضطر الأهالي للهجرة بأبنائهم إلى أماكن تسمح لهم بأخذ قسط من التعليم باللغة العربية؛ ليمحوا الأمية على أقل تقدير، يقول وحيد مواطن كردي في الأربعينات من عمره، أب لأربعة أطفال نصفهم في المدارس “بغض النظر عن كوننا نريد الانفصال وندعمه، أو نريد دولة مستقلة وندعمها، لكن هل هذا المنهاج الذي سيدرسه أبناؤنا كفء؟ وهل المدرسون الذين سيدرسونه هم أهل لذلك؟، ثم ما مستقبل من سيدرس هذا المنهاج؟ وما مدى الاعتراف الذي سيحصل عليه؟ وما الشهادات والاختصاصات التي سيعطيها؟).
ليس وحيد فقط من يسأل بل الجميع يسأل والمضحك_المبكي هنا أن اللغة الكردية لغة ضحلة جدا بالنسبة للمصطلحات العلمية، فالأكراد درّسوا منذ سنتين الآداب واللغة الكردية، لكن العلوم الأخرى (العلوم التطبيقية كالرياضيات والفيزياء..) بقيت تدرس بالعربية، حتى اتخاذ قرار الهيئة الأخير، والسبب عدم مقدرة اللغة الكردية على توليد مفردات مواكبة لتطور العلم، ثم ما مصير القوميات المتواجدة هناك بين عرب وسريان؟!
إن المشكلة معقدة أكثر مما نتصور! المشكلة هي في صلب النسيج السوري، بل وتضرب الوجود السوري في العمق، وتهدد الوطنية السورية بالزوال، ليس بعيدا عن هذه الفكرة بكثير فقد جاء إعلان التربية التركية مؤخرا أنها أعدت خارطة طريق تستهدف إتمام تعليم الأطفال السوريين ودمجهم بالمدارس التركية، الذين اضطرت أسرهم للهجرة إلى تركيا؛ بسبب الحرب الدائرة في سوريا، طبعا الطلاب السوريون هناك سيدرسون باللغة التركية. وحسب المنهاج التركي وسيجهلون التاريخ العربي عامة وتاريخ بلادهم خاصة، فلن يدرسوا جغرافية حلب ولا حمص، ولن يعرفوا شيئا عن تاريخ الأمويين، هذا هو ضياع الهوية السورية بعينه.
أما عن التعليم النظامي في المناطق المحررة فقد بات أمرا مستحيلا خاصة مع استمرار الهجمة الشرسة لطيران النظام وحليفه الروسي، على مدن وقرى هذه المناطق، تقول أم مجد، في الثلاثينيات من عمرها، أم لطفلتين في مرحلة التعليم الأساسي “أي مدارس؟! ما في مدارس ولا شي، السنة أكيد الأولاد مارح ايشوفوا المدارس؛ لأن المدرسة الي اساتها واقفة رح اتكون أول هدف للطيارة، بعد كل المشافي الي تدمرت بإدلب”، أي أن اقتراب بدء الدوام في المدارس، أصبح عبئا يثقل كاهل الأهالي، ويروعهم لمجرد التفكير بمنظر أبنائهم فيما لو حدث لهم ما حدث سابقا لغيرهم، والتجارب المريرة للسوريين كثيرة.
هذا في الحقيقة هو غيض من فيض: المآسي التي يعاني منها قطاع التعليم في سوريا والأجيال تتجه نحو أزمة خانقة، تمس وجودها وهويتها وانتمائها من جهة، وتفكيرها وطريقة معيشتها من جهة أخرى.
شاديا الراعي_ المركز الصحفي السوري