الكرم والشهامة صفتان متلازمتان لسكان جبل شحشبو في ريف حماه الشمالي، قد انضم ابناء الجبل لقافلة الثورة السورية واحتضنوا بأخلاقهم العشائرية الأصيلة إرادة الشعب السوري وتصميمه لنيل الحرية.
بقيت جميع القرى التابعة لجبل شحشبو بما فيها قرية شهرناز عصية على قوات النظام الذي حاول اقتحامها مرارا لكن محاولاته باءت بالفشل بسبب موقعها الجبلي الوعر، والعادات العشائرية السائدة التي جعلت من اللحمة العشائرية سلاح قوي أمام آي تهديد .
اشتهر سكان الجبل الممتد بين محافظتين بالأصالة والعادات المتوارثة من اغاثة الملهوف وحماية الداخل لقراهم والانتصار للحق ضد الباطل عادات موروثة من قيمهم العشائرية، إذ يبلغ عددهم 68 ألف نسمة ويعيشون حياة بسيطة في القرى والمزارع بعيدة عن التكلف ومظاهر الحياة الزائفة.
لم تغير الحرب طبائع ونفوس سكان قرية شهرناز الذين سطروا منذ بداية الثورة السورية بعاداتهم الشعبية وشهامتهم العربية أروع الملاحم، ويبلغ عدد سكان القرية 2400 نزح منهم حوالي 1000 نسمة باتجاه تركيا نتيجة القصف المستمر الذي طالها بشتى أنواع الأسلحة، وبنفس الوقت استضافوا مئات العائلات السورية النازحة منذ نهاية عام 2011 معظمهم من سهل الغاب و قلعة المضيق وكفرنبودة بعد استهدافها واقتحام قوات النظام لها بالمدافع الثقيلة، بالإضافة لنازحي ريف ادلب الجنوبي من قرى جبل الزاوية.
استقبل أهالي القرية النازحين بكرمهم وسخائهم المتعارف عليه، فكانت بيوتهم القروية البسيطة التي لاتزيد عن غرفتين مفتوحة للجميع ودون مقابل، فمن المعيب والمنافي للأخلاق العشائرية تأجير بيوتهم للنازحين وأخذ مبلغ من المال، وأولوهم الأولوية بكل شيء باعتبارهم لجؤوا إليهم بحثا عن الأمان، وحاولوا خلق جو من الراحة النفسية عن طريق التعارف بالاجتماعات والولائم التي عرفت القرية بها لكل نازح جديد يصار لجمع النازحين في القرية على ولائم جماعية تكاد تكون يومية

بسبب حركة النزوح الكبيرة للقرية وتتالي المتجهين لهذه القرية بين النازحين.
رغم فقرهم وبساطتهم إلا أنهم تميزوا بإكرامهم للضيف، أحمد الأحمد كان أحد النازحين لتلك القرية يقول:” استضافتني عائلة من القرية في منزلها المتواضع المؤلف من غرفتين، وأعطوني غرفة لأمكث فيها ولأمارس فيها عملي ، ورفض صاحب البيت قبول أي مبلغ مالي أو مساعدة في مستلزمات المعيشة رغم فقره وحاجته واعتبرها إهانة بحقه أن يأخذ مال”
ولثورة الكرامة وثوارها نصيب من كرم أهل جبل شحشبو وقراه الأبية، حيث قدموا بيوتهم لتصبح مقرات وقواعد عسكرية في سبيل محاربة قوات النظام الذين مارسوا ضدهم أبشع أنواع القمع والظلم، فقد تعرضت قرى الجبل لقصف بالبراميل المتفجرة ولم تسلم من بطشه.
أبو فراس نازح في قرية شهرناز من كفرنبودة يقول:” كنت بحاجة لعمل جراحي في عيني ولا أملك المال الكافي لذلك فقام اهل القرية بجمع تبرعات لإجرائها، فقد أغرقوني بكرمهم ولطفهم، بالإضافة للموائد المفتوحة التي تتكرر كل يوم، رغم ظروفهم المعيشية الصعبة فمعظمهم يعملون بالزراعة وتربية الماشية”.
خلف النزوح المتكرر حالة اجتماعية من الود والألفة بين أهل القرية والنازحين، حيث ارتفعت حالات الزواج بينهم، عماد نازح من مدينة حماه يقول:” قامت نساء القرية بترتيب المنزل الذي سأتزوج ، واحتفل شبان القرية بالعرس من خلال عاداتهم وتقاليدهم الخاصة التي تتمثل بإطلاق النار والولائم والذبائح “.
أثرت اللحمة العشائرية وروابطهم الثابتة في إبراز قوة الثورة السورية، فكانت قراهم في جبل شحشبو حضنا دافئا للنازحين من المناطق المجاورة إذ لقوا فيها حسن الضيافة والاستقبال، فسكانها مازالوا يحتفظون بعاداتهم وقيمهم الأصيلة التي لم تطلها وتشوهها الحرب .
سماح خالد
المركز الصحفي السوري