من المتوقع أن يصدر المكتب الرئاسي الأميركي قانون “سيزر لحماية المدنيين السوريين”، بعد أن وصل إلى مجلس الشيوخ للمرة الأولى، وقد استغرقت رحلته ثلاث سنوات، مرّ بها من مجلس النواب مرتين، دون أن يكمل رحلته؛ وقد تم تمريره إلى مجلس الشيوخ أخيرا بعد ربطه بقانون آخر هو “تصريح الدفاع الوطني” المتعلق بتمويل وزارة الدفاع الأميركية، والمضمون النجاح، وذلك بضغوط من اللوبي السوري الأميركي، وخاصة المجلس السوري الأميركي، ومنظمات سورية أميركية.
تعترف الاستراتيجية الأميركية بأن سوريا باتت منطقة نفوذ لروسيا؛ لكنْ هناك شعور غربي، أميركي – أوروبي، بضرورة حصر نفوذها في سوريا، والحد من استمرار تحالفها مع إيران المأزومة بفعل العقوبات الغربية، ومن نشوء حلف قوي روسي – تركي، يتعارض مع وجود أنقرة في حلف شمال الأطلسي، تمثل في المضي بصفقة شراء تركيا لمنظومة أس – 400 الروسية، إضافة إلى سعي روسيا إلى نفوذ في العراق وعلاقاتها الاقتصادية الوطيدة مع الخليج العربي ومصر…
هنا يأتي قانون سيزر كترجمة للموقف السياسي الأميركي من الملف السوري، وتضاف إليه حزمة عقوبات اقتصادية جديدة بحق شخصيات نافذة من النظام السوري يتحضر الاتحاد الأوروبي لإصدارها؛ وهذه العقوبات تعتبر بمثابة أوراق غربية على موسكو وطهران، لإعادة النظر في سلوكهما في سوريا، لأنها ستزيد من أزمة النظام السوري المالية في الحصول على السيولة، وبالتالي المضي في إعادة الإعمار.
كما أنها ستوقف عملية التطبيع الدبلوماسي التي نشطت مؤخراً، من دول غربية (هنغاريا وقبرص وإيطاليا)، إضافة إلى دول عربية، هذا عدا عن استمرار تواجد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في شرق الفرات، واستمرار سيطرة القوات الأميركية على الموارد الاستراتيجية من نفط وغاز، ومنعها عن النظام.
يعتبر قانون سيزر الأقسى على نظام الأسد، كونه سيفرض عقوبات على شخصيات وشركات أجنبية تدعم النظام؛ فالعقوبات تشمل مصرف سوريا المركزي، في حال ثبوت انخراطه في عمليات غسيل الأموال، وعلى أية جهات تقدم دعماً مالياً أو تقنياً أو تنخرط بصفقات مع حكومة الأسد، وعلى أي شخص متعاقد عسكرياً أو مرتزق أو ميليشيا ناشطة في العمل العسكري نيابة عن حكومة بشار الأسد أو روسيا أو إيران، وعلى من يقدم البضائع والخدمات التي تمكن النظام من استمرار سيطرته على إنتاج سوريا الداخلي من الغاز الطبيعي والمشتقات النفطية، وعلى أي جهة تقدم البضائع والخدمات للطيران السوري، كقطع غيار أو طائرات، وعلى أية جهة تنفذ خدمات إعمار أو خدمات للقطاع الهندسي لصالح حكومة الأسد في سياق إعادة الإعمار.
ورغم أن هناك بنوداً تتناول موضوع التغيير الديموغرافي في سوريا، لكنها ما زالت ضبابية، من حيث أنه يمكن استخدامها بمزاجية بحيث تخدم السياسات الأميركية وقت الحاجة، كونها مرهونة بقرار الرئيس الأميركي الذي عليه أن يحدد المناطق التي وقع فيها التغيير الديموغرافي، والقانون يكتفي بتقديم استراتيجية موصوفة بمنع الأجانب من الدخول في عقود لها علاقة بإعادة الإعمار في هذه المناطق، نيابة عن الحكومة.
وهنا نتساءل: هل سيرى الرئيس الأميركي مناطق التغيير الديموغرافي التي قامت بها أنقرة في جرابلس والباب وعفرين، والتي تسعى صراحة لإقامتها في منطقة عملية “نبع السلام” بين تل أبيض ورأس العين، عبر مشروع توطين مليوني سوري مهجر؟ هذا عدا عما سبق أن قامت به قوات سوريا الديمقراطية من تهجير لبعض المناطق العربية، وإدخال عناصر كردية غير عربية إلى صفوفها للقتال في سوريا، وذلك تحت راية التحالف الدولي الذي تقوده أميركا.
القانون يستثني المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى سوريا، وقد تم التصويت في مجلس الأمن مؤخراً على تمديد قرار إدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة في سوريا، عبر تركيا والأردن، دون موافقة الحكومة السورية، وذلك بعد معارضة روسيّة له استمرت أشهراً.
الأهم في قانون سيزر أنه يترك الباب مفتوحاً أمام النظام السوري، لتغيير سلوكه، بضغوط روسية، ورفع العقوبات، وذلك بموافقة الرئيس الأميركي؛ وبالتالي هو يفتح الباب لتسوية سياسية مع النظام، لكن بحضور أميركي قوي فيها.
لكن الشروط الأميركية لرفع العقوبات، التي مدتها خمسة أعوام قابلة للتجديد في حال لم يطبق النظام الشروط، تعتبر تعجيزية بالنظر إلى بنية وطبيعة النظام السوري؛ حيث تتمثل هذه الشروط في التوقف عن استخدام المجال الجوي السوري من النظام وروسيا أو أي جهة أخرى تقصف المدنيين السوريين، سواء بالبراميل المتفجرة أو بالسلاح الكيمياوي أو بالقذائف الحارقة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في سجون بشار الأسد، وتمكين المراقبين الدوليين من إجراء جولات في السجون. وكذلك رفع الحصار عن المناطق السورية، وتوقف النظام السوري وحلفائه عن استهداف المنشآت الطبية والسكنية والأسواق، والسماح بعودة المدنيين إلى منازلهم، إضافة إلى تقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى العدالة الدولية.
بالتأكيد يسعى النظام السوري، بتوجيه روسي، إلى الالتفاف على هذه الشروط، فهناك حديث عن إفراغ بعض المعتقلات السياسية، وتحضيرها لإمكانية قدوم مفتشين دوليين، عبر نقل من فيها إلى معتقلات أخرى، أو تنفيذ حكم الإعدام في سجناء داخل سجن صيدنايا، وفق ما يتم تسريبه.
من الواضح أن الاستراتيجية الأميركية في سوريا لا تهدف إلى تطبيق العدالة بحق مرتكبي جرائم الحرب في سوريا، وهو ما تظهره بنود قانون سيزر، الذي استغرق صدوره ثلاث سنوات؛ وهو منسوب إلى الضابط المنشق “قيصر”، الذي حمل 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل في السجون السورية، وتم إثبات صحتها في مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) منذ 2014.
القانون ورقة ضغط أميركية، تريد حلاً سياسياً في سوريا، لا دور لإيران فيه، وأن تتم العملية السياسية وفق مقررات جنيف، وقد وافقت الأمم المتحدة على تحويل مسار العملية السياسية صوب تشكيل لجنة دستورية، وفق ما تريده روسيا وتركيا، لكن قانون سيزر في هذا الوقت ينسف مسار اللجنة الدستورية، مع تعنت النظام، بدعم إيراني، لإفشالها ورفضها أية مشاركة للمعارضة في الحكم.
بصدور قانون سيزر، الذي يعطي الرئيس الأميركي مهلة طويلة نسبياً، هي 180 يوماً لإقرار العقوبات، وبالتالي ظهور نتائجه، تضع واشنطن الكرة في ملعب موسكو، التي عليها التنسيق مع الولايات المتحدة لتسوية نهائية في سوريا، تحقق المصالح الأميركية والإسرائيلية.
نقلا عن صحيفة العرب