زيتون – مخلص الأحمد
“سارة الدرة” قابلة نسائية تحدت القصف والقناصة لتصل عشرات المرات إلى أحد المنازل لتنقذ جنيناً ورحى الحرب مستعرة، كما كانت “سارة” الممرضة التي تضمد جروح المصابين، في الوقت الذي لم يكن فيه أطباء أو مشافي.
بدأت “الدرة” عملها في حمص ثم انتقلت إلى الغوطة الشرقية ومن ثم إلى ريف حماة، حيث شاركت في تأسيس مركز طبي هو الوحيد في منطقة لا يسكنها إلا أصوات القذائف وأزيز الطائرات وأشلاء الشهداء.
ضمت “الدرة” ذات الـ 40 ربيعا يديها إلى بعضهما، وبدأت تقلب الذكريات في مخيلتها، وتتحدث عن تجربتها وكأن شريطاً مصوراً أمامها: “كنت في دير بعلبة بحمص في بداية الثورة، حيث يراقب القناصة شوارع الحي، ويقنص كل من يرونه ليلاً، وبسبب مهنتي كنت أستطيع التحرك ليلاً، والتنقل بين الشوارع دون خوف من القناصة، ولكن بحذر شديد، وكنت أولّد يوميا من 8 إلى 10 نساء، ولكن على الرغم من ذلك فقد بقيت في إحدى المرات محاصرة من قبل أحد القناصين لأكثر من 3 ساعات، وهي ليست المرة الوحيدة، فلا بد من حدوث هذه المواقف، ولكن عناصر الجيش الحر كانوا دوماً طوق النجاة لي، وكانوا يرافقونني إلى المنازل التي أتوجه إليها”.
وأضافت “الدرة”: “وبسبب الملاحقات الأمنية، وخوف زوجي علي، انتقلت إلى بلدة النشابية في الغوطة الشرقية بريف دمشق في نهاية عام 2011، حيث تعرفت على النساء هناك وبدأت بممارسة عملي كما في السابق، ولكن بجد مضاعف، ومصاعب أكبر، سواء من حيث المكان الجديد والغريب بالنسبة إلي، أو من حيث الخوف والخطر، إذ اختلط الأمر علي كثيراً ولم أكن أعلم فيما إذا كان الآتي إلي هو فعلاً زوج لامرأة في حالة مخاض، أم لا؟، ولكنني لم أكن أكترث فكل ما يهمني هو سلامة المرأة والجنين، ولذلك كنت أترك أولادي في منزل جيراني، وأذهب للعمل، وكنت أولّد ما لا يقل عن 5 نسوة يومياً”.
وفي بداية عام 2012 تحوّلت حياة “سارة”، وذلك بعد أن انتقلت إلى قرية زوجها بريف حماة الشمالي، وتحديدا في سهل الغاب، وكانت تولّد نحو 8 نسوة، بينهن نساء نازحات إلى المنطقة، كانت “سارة” تقوم بتوليدهن مجاناً، نظراً للوضع المادي الصعب لمعظم النازحين.
وفي عام 2013 شاركت “الدرة” بتأسيس مركز طبي في قرية المستريحة، التي لم تكن تحوي سوى عدد قليل من الأهالي، إذ كان ريف حماة الشمالي ساحة حرب، ولا ترى فيه إلا الطائرات والدمار.
عملت “الدرة” متطوعة كقابلة وممرضة في المركز مدة عامين، تولّد النساء وتُضمّد جروح المصابين جراء القصف، وما لبث المركز الطبي أن تطور، وبات يغطي رقعة جغرافية واسعة، ويراجع المركز اليوم 200 مراجع بينهم حوالي 40 امرأة.
الصعوبات التي واجهت “الدرة”
واجهت “الدرة” خلال عملها العديد من الصعوبات، فبالإضافة إلى خطر الإصابة أو الملاحقة الأمنية، ومخاطر العمل في الخارج، كانت تواجه مشكلة التقصير بواجباتها المنزلية كزوجة وأم، إذ كانت تضطر لترك أولادها دون رعاية لساعات، وكان زوجها يتذمر في بعض الأحيان، فضلاً عن أن عملها لا يعرف الإجازات أو الاستراحات.
“محمد عز الدين” زوج “سارة” قال لزيتون: “قبل الثورة كنت أرفض عملها، ولكن في بداية الثورة رأيت أن عملها عمل إنساني وواجب أخلاقي في ظل الظروف الجديدة، ولذلك كنت في معظم الأحيان أشجعها وأوصلها إلى المنازل التي تقصدها، ولكن لا يخلو الأمر من تذمر في بعض الأحيان، وذلك بسبب رغبتي بجلوسها مع أطفالها الذين يشتاقون لها ويحتاجون وجودها معهم وحنانها عليهم كسائر الأمهات”.
أما “الدرة” فتصف أصعب المواقف التي تعرضت لها في عملها بقولها: “من أصعب المواقف التي واجهتني هي توليد امرأة في قرية كانت تتعرض لقصف مكثف في ذلك اليوم، ونزح معظم أهالي القرية بعد تواصل القصف عليها واشتداد وتيرته، وبينما أهالي القرية ينزحون عنها، كنت مضطرة للبقاء مع المرأة حتى ولادتها، ومع أن زوجها كان ينتظر مني كلمة لا أستطيع البقاء في هذه الظروف، وعلى الرغم من تأخر الولادة بسبب التوتر والخوف الذي عاشته الأم، إلا أنني بقيت معها عدة ساعات حتى وضعت المرأة جنينها”.
“خالدية العلي” المرأة التي أنجبت على يدي “سارة” طفلاً وسط القذائف، قالت لزيتون: “بسبب القصف نزح الجميع في ذلك اليوم، وبقيت سارة لتوليدي، كنت خائفة ومتوترة وتأخرت بالولادة، ولكن سارة حافظت على رباط جأشها، وظلّت مصرة على توليدي دون نقلي وتعريض الجنين أو تعريضي للخطر عدة ساعات، على الرغم من أن القذائف كانت تتساقط حول منزلنا وعلى مقربة منا”.
أما الحالة الثانية التي واجهت “الدرة” فيها صعوبات كبيرة، فكانت توليد امرأة كانت حامل بـ 3 توائم، وسط انعدام الأجهزة أو الأدوات التي من الممكن الحاجة إليها.
“مريم الحسن” إحدى النساء اللواتي أنجبن على يد “الدرة” قالت لزيتون: “بعد انتقال سارة إلى ريف حماة خففت الكثير على النساء اللواتي يلدن، وخاصة في ظل استهداف الطرقات، وعدم القدرة على الوصول إلى مشافي إدلب وريفها ولا سيما ليلاً، ولم يكن أمام النساء الحوامل سوى سارة، التي كانت باتصال هاتفي تأتي مسرعةً، معرضةً نفسها للخطر، وبالنسبة لي فقد ولدتني سارة مرتين، وأنجبت على يديها طفلاً وطفلة، وأشكرها من أعماق قلبي.