أحمد صلال – العربي الجديد
كشف الخطاب الإعلاميّ والاجتماعيّ للنخبة السّوِريّة، خلال فترة الثورة وما مرَّت به من تحولات قاسيّة ومؤلمة، عن وجود خلل عميق في بنية الخطاب الإعلاميّ والتَّصور الأيديولوجي إزاء الثورة السّوريّة، فكتّاب وصحافيّون وفنّانون كثيرون كانوا قد انخرطوا في عمليَّة تزيِيفٍ دعائيّ للواقع، لا يرد على الدعاية المُضادة للنظام السّوريّ المتحالف مع المشروع الإيرانيّ في المنطقة العربيَّة، بمقدار ما يستند إلى تجهيل الناس بما يجري، حيث يتم نشر معلومات كاذبة في وسائل الإعلام التقليديّة، وشبكات التواصل الاجتماعيّ، تختلق أحداثاً لم تحدث، وتحتمل أحداثاً لا يمكن أن تحصل أساساً، وتستخدم في خطابها الإعلاميّ شعارات سهلة التَّرْداد والحفظ والتّناقل، ولا أَثر يُرْجَى منها على صعيد محاربة المشروع المعادي، بل، على العكس، تحمل ضرراً نفسيَّاً ومعنويَّاً وماديَّاً على أحقية القضيَّة السّوريّة في محاربتها المشروع الاستبداديّ والنفوذ الإيرانيّ كذلك. إلى درجة أصبحت معها الثورة السّوريّة ملزمة بلجم الدعاية السيّاسيّة المضادة، سواء عبر نخبتها أو عبر مشاريع الإعلام البديل التي يُفترض أنها تساند السّوريّين، بدرجة لا تقل عن إلزامها بلجم الدعايّة المضادة الصادرة عن النظام السّوريّ وحليفه الإيرانيّ.
السؤال الذي يطرح، هنا: كيف يمكننا الرد على الدعاية المضادة الصادرة عن النظام من جهة، ومن جهة أخرى، الرد على الدعايّة المزيفة الصادرة عن بعض النخب المعارِضة ووسائل الإعلام البديل؟
على سبيل المثال، جاءتْ معركة تحرير إدلب، أخيراً، والتي قادها جيش الفتح المنضوية، تحت لوائه، مجموعة من أبرز الفصائل العسكرية الموجودة في محافظة إدلب، وما رافقها من تغطية ومتابعة إعلاميَّة كثيفة، من خلال وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، لتدلل على وجود ذلك الخلل. حيث تلاقت واتفقت وسائل إعلام النظام مع خطاب النخبة المعارضة ووسائل الإعلام البديل جميعها على أنَّ جبهة النصرة، المحسوبة على القاعدة، هي التي قامت بتحرير المدينة، وبسطتْ نفوذها على مركز المحافظة. هذه الدعايَّة السلبيَّة أفقدتْ النصر الذي أحرزه السوريون الكثير من قيمته المُتفردة والمُميزة، فهذه الدعايَّة الكاذبة تناست وتجاهلت حقائق وتفاصيل مهمة، منها أنّ جيش الفتح هو الذي خاضَ معركة التحرير، وأنّ هذا الجيش يتكون من فصائل إسلامية معتدلة، مثل “أحرار الشام” و”صقور الشام” التي تُشكّل قوة النيران الأكثر حضوراً ضمن هذا الجيش، فيما تُشكّل جبهة النصرة الحضور الأقل عدداً وعدة. الدعايّة التي رافقت عملية التحرير، وما تلاها، ركَّزتْ على حضور الجبهة فقط، واستبعدتْ الحديث عن الفصائل الأخرى. تمّ التركيز على حضور جبهة النصرة أكثر من التركيز على المعركة العسكريَّة الناجحة
التي خاضتها فصائل جيش الفتح مجتمعة، وكان من نتائجها خسارة النظام ثاني مركز محافظة، يخرج عن سيطرته، وفقدانه أكبر قواعده العسكريّة في الشّمال السّوريّ.
كيف تهاوتْ القوات الكبيرة للنظام أمام فصائل المعارضة السُّوريَّة المسلّحة، وكيف سوف يؤثر هذا النصر على الوضع على الأرض، لصالح المعارضة على حساب النظام. كل هذه الحسنات لم يتم ذكرها، بل تمّ التركيز على مشاركة جبهة النصرة وتحطيم تمثال شخصيّة تاريخيّة سوريّة، قد يكون دُمر خطأ لا عمداً. فإذا سلّمنا بأحقية طرح مشكلة وجود جبهة النصرة فصيلاً عسكرياً ضمن جيش الفتح، وما قد يكون له من آثار سلبية لاحقاً، وسلّمنا كذلك بأحقية الحديث عن همجيَّة تحطيم تمثال رمز وطنيِّ سوريِّ، بتلك الطريقة التي شهدناها، أليس من الأحقية بمكان، أيضاً، طرح هذه السلبيات بالتماشي مع تسليط الضوء على إيجابيات التحرير التي تفوق هذه التفصيلات أهميةً وعمقاً، بحيث لا يمكننا افتراض المساواة بينهما.
ثمَّ أليس هذا الخطاب الإعلاميِّ الذي تَرَافق مع معركة التحرير انتقاصاً لحجم الانتصار الذي حقّقتهُ فصائل المعارضة المُسَلَّحة، وتكريسٌ لحالة الإحباط السائدة في صفوف جمهورها المناصر؟
“إن دعاية النظام لا تسوّقُ سوى الحجج التي تدعم موقفها، في حين أن المعارضة، في خطابها وأدائها الإعلاميِّ، لا تسوّق سوى الحجج التي تضعف موقفها“
تفترض هذه الدعايَّة أنَّها تتبنى الموضوعيَّة والحياد والعقلانيّة في مواجهة لاعقلانيَّة النظام ولا موضوعيته وعنفهِ وجرائمه كذلك، لكنَّها تتناسى أنَّ دعاية النظام لا تسوّقُ سوى الحجج التي تدعم موقفها، في حين أن المعارضة، في خطابها وأدائها الإعلاميِّ، لا تسوّق سوى الحجج التي تضعف موقفها. محاولة إطاحة الانتصار الذي تحقَّقَ في معبر نصيب الحدوديِّ وتقويضه والإجهاز عليه، هو ما انحدرتْ إليه الممارسات الإعلاميَّة والاجتماعيَّة السابقة، حيث تمّ تسليط الضوء على حدث بسيط، نتج عن تحرير المعبر. المقصود هنا ظاهرة “التعفيش” اليتيمة التي جرت عند المعبر بعد تحريره، أكثر من تسليط الضوء على فوائد هذا الإنجاز وحسناته. ذلك التضخيم والتركيز على الأخطاء والهفوات التي تحصل هنا وهناك في خندق المعارضة، وفصائلها المسلحة، لا يصب إلا في مصلحة النظام الذي يُردّد، ليل نهار، أنَّ خروج المناطق عن سيطرته يُعَرِّضُها للفوضى والخراب.
هذا الشكل من الدعاية والإعلام الذي تبثه الوسائل المحسوبة على المعارضة أَشَّدُ ضراوة وضرراً من دعاية النظام، وما يؤكد الأمر أنَّهُ لم يتم الحديث، مثلاً، عن اللجنة العدليِّة التي شكلت للتحقيق في الواقعة، واقعة التعفيش عند معبر نصيب الحدوديِّ التي لم تُسفر سوى عن سرقة بعض المعدات الكهربائيّة، متناسية هذه الدعايَّة نقد التعفيش المنظم عقوداً لسورية وثرواتها.
باتَ من الضروريّ إعادة النظر في كل المفاهيم السائدة والمُتداولة في خطابنا الإعلاميّ، من أجل تصويب المستقبل وبنائه على أُسُّس عقلانيَّة، لا على أسّس إيديولوجيّة متناحرة، لا تلبث أن تسقطَ أمام الواقع وتحدياته، خصوصاً في مشروع ثورة تتصدى لمشروع نظام الأسد وحليفه الإيرانيّ كذلك.
السؤال الذي يطرح، هنا: كيف يمكننا الرد على الدعاية المضادة الصادرة عن النظام من جهة، ومن جهة أخرى، الرد على الدعايّة المزيفة الصادرة عن بعض النخب المعارِضة ووسائل الإعلام البديل؟
على سبيل المثال، جاءتْ معركة تحرير إدلب، أخيراً، والتي قادها جيش الفتح المنضوية، تحت لوائه، مجموعة من أبرز الفصائل العسكرية الموجودة في محافظة إدلب، وما رافقها من تغطية ومتابعة إعلاميَّة كثيفة، من خلال وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، لتدلل على وجود ذلك الخلل. حيث تلاقت واتفقت وسائل إعلام النظام مع خطاب النخبة المعارضة ووسائل الإعلام البديل جميعها على أنَّ جبهة النصرة، المحسوبة على القاعدة، هي التي قامت بتحرير المدينة، وبسطتْ نفوذها على مركز المحافظة. هذه الدعايَّة السلبيَّة أفقدتْ النصر الذي أحرزه السوريون الكثير من قيمته المُتفردة والمُميزة، فهذه الدعايَّة الكاذبة تناست وتجاهلت حقائق وتفاصيل مهمة، منها أنّ جيش الفتح هو الذي خاضَ معركة التحرير، وأنّ هذا الجيش يتكون من فصائل إسلامية معتدلة، مثل “أحرار الشام” و”صقور الشام” التي تُشكّل قوة النيران الأكثر حضوراً ضمن هذا الجيش، فيما تُشكّل جبهة النصرة الحضور الأقل عدداً وعدة. الدعايّة التي رافقت عملية التحرير، وما تلاها، ركَّزتْ على حضور الجبهة فقط، واستبعدتْ الحديث عن الفصائل الأخرى. تمّ التركيز على حضور جبهة النصرة أكثر من التركيز على المعركة العسكريَّة الناجحة
التي خاضتها فصائل جيش الفتح مجتمعة، وكان من نتائجها خسارة النظام ثاني مركز محافظة، يخرج عن سيطرته، وفقدانه أكبر قواعده العسكريّة في الشّمال السّوريّ.
كيف تهاوتْ القوات الكبيرة للنظام أمام فصائل المعارضة السُّوريَّة المسلّحة، وكيف سوف يؤثر هذا النصر على الوضع على الأرض، لصالح المعارضة على حساب النظام. كل هذه الحسنات لم يتم ذكرها، بل تمّ التركيز على مشاركة جبهة النصرة وتحطيم تمثال شخصيّة تاريخيّة سوريّة، قد يكون دُمر خطأ لا عمداً. فإذا سلّمنا بأحقية طرح مشكلة وجود جبهة النصرة فصيلاً عسكرياً ضمن جيش الفتح، وما قد يكون له من آثار سلبية لاحقاً، وسلّمنا كذلك بأحقية الحديث عن همجيَّة تحطيم تمثال رمز وطنيِّ سوريِّ، بتلك الطريقة التي شهدناها، أليس من الأحقية بمكان، أيضاً، طرح هذه السلبيات بالتماشي مع تسليط الضوء على إيجابيات التحرير التي تفوق هذه التفصيلات أهميةً وعمقاً، بحيث لا يمكننا افتراض المساواة بينهما.
ثمَّ أليس هذا الخطاب الإعلاميِّ الذي تَرَافق مع معركة التحرير انتقاصاً لحجم الانتصار الذي حقّقتهُ فصائل المعارضة المُسَلَّحة، وتكريسٌ لحالة الإحباط السائدة في صفوف جمهورها المناصر؟
“إن دعاية النظام لا تسوّقُ سوى الحجج التي تدعم موقفها، في حين أن المعارضة، في خطابها وأدائها الإعلاميِّ، لا تسوّق سوى الحجج التي تضعف موقفها“
تفترض هذه الدعايَّة أنَّها تتبنى الموضوعيَّة والحياد والعقلانيّة في مواجهة لاعقلانيَّة النظام ولا موضوعيته وعنفهِ وجرائمه كذلك، لكنَّها تتناسى أنَّ دعاية النظام لا تسوّقُ سوى الحجج التي تدعم موقفها، في حين أن المعارضة، في خطابها وأدائها الإعلاميِّ، لا تسوّق سوى الحجج التي تضعف موقفها. محاولة إطاحة الانتصار الذي تحقَّقَ في معبر نصيب الحدوديِّ وتقويضه والإجهاز عليه، هو ما انحدرتْ إليه الممارسات الإعلاميَّة والاجتماعيَّة السابقة، حيث تمّ تسليط الضوء على حدث بسيط، نتج عن تحرير المعبر. المقصود هنا ظاهرة “التعفيش” اليتيمة التي جرت عند المعبر بعد تحريره، أكثر من تسليط الضوء على فوائد هذا الإنجاز وحسناته. ذلك التضخيم والتركيز على الأخطاء والهفوات التي تحصل هنا وهناك في خندق المعارضة، وفصائلها المسلحة، لا يصب إلا في مصلحة النظام الذي يُردّد، ليل نهار، أنَّ خروج المناطق عن سيطرته يُعَرِّضُها للفوضى والخراب.
هذا الشكل من الدعاية والإعلام الذي تبثه الوسائل المحسوبة على المعارضة أَشَّدُ ضراوة وضرراً من دعاية النظام، وما يؤكد الأمر أنَّهُ لم يتم الحديث، مثلاً، عن اللجنة العدليِّة التي شكلت للتحقيق في الواقعة، واقعة التعفيش عند معبر نصيب الحدوديِّ التي لم تُسفر سوى عن سرقة بعض المعدات الكهربائيّة، متناسية هذه الدعايَّة نقد التعفيش المنظم عقوداً لسورية وثرواتها.
باتَ من الضروريّ إعادة النظر في كل المفاهيم السائدة والمُتداولة في خطابنا الإعلاميّ، من أجل تصويب المستقبل وبنائه على أُسُّس عقلانيَّة، لا على أسّس إيديولوجيّة متناحرة، لا تلبث أن تسقطَ أمام الواقع وتحدياته، خصوصاً في مشروع ثورة تتصدى لمشروع نظام الأسد وحليفه الإيرانيّ كذلك.