اعتبر جون أر برادلي، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مقال نشرته مجلة “سبكتاتور” البريطانية أن التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية قد انتهى. وقال الباحث إننا نشهد اليوم تحولا جيوسياسيا جديدا في الشرق الأوسط. مضيفا أن تحالف الأمن مقابل النفط الذي عقده الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت عام 1945 على متن المدمرة الأمريكية مع الملك عبد العزيز آل سعود قد انتهى الآن. وقال: “انظر إلى الرد الأمريكي على الهجوم الإيراني على المنشآت السعودية. فقد وصفه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو “عمل حربي” وأخبرتنا صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الهجوم “كبير” وبعد ذلك لا شيء، تجاهل الرئيس دونالد الأمر وأعلن عن استقلالية الطاقة الأمريكية: لسنا بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط وغازه”. إلا أن خبراء الصناعة حذروا من هذا التقييم غير الناضج مع أن أسعار النفط استقرت وخفتت طبول الحرب، ونحن نشاهد بداية لمرحلة جيوسياسية جديدة في الشرق الأوسط. وقد تبنى الرئيس ترامب فكرة “أمريكا أولا” وليس من الصعب معرفة السبب. فليس هناك ما يمكن إنجازه والكثير لخسارته لو قفز وبدأ حربا جديدة في الشرق الأوسط، خاصة أنه على أبواب حملة لإعادة انتخابه. وهو في موقفه متناغم مع غالبية الأمريكيين التي تخشى من حرب جديدة مع إيران دفاعا عن آل سعود. وتكشف استطلاعات الرأي غالبية مطلقة بين الجمهوريين والديمقراطيين معارضة لعمل كهذا. ويدعم الإنجيليون الحرب لأنها ستجعل من إسرائيل بلدا آمنا حسب اعتقادهم، ولكنهم مع ترامب سواء عن حق أو باطل.
وبالنسبة للسعوديين فهذا سيجلب الكارثة، فليس هناك لحظة أسوأ من أن تتوقف نصف قدرتك الإنتاجية للنفط. ومن الواضح أن الغارات بالدرون على منشآت إبقيق وخريص جاءت في لحظة سيئة. فقد حدثت بعد ثلاثة أيام من الذكرى الـ 18 على هجمات 9/11 في نيويورك والبنتاغون. وفي هذا العام أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) انه سيكشف عن أسماء المسؤولين السعوديين المسؤولين مباشرة عن مساعدة 15 سعوديا من 19 منفذا لعمليات اختطاف الطائرات التي ضربت مركز التجارة العالمي والبنتاغون، وهو عدد لن ينساه الأمريكيون ولن يتسامحوا معه أبدا. وبعد ذلك هناك الذكرى الأولى لذبخ وتقطيع الصحافي والمعلق في صحيفة “واشنطن بوست” جمال خاشقجي على يد فرقة قتل انتظرته في القنصلية السعودية باسطنبول. وتوصل تحقيق للأمم المتحدة وجود أدلة موثوقة عن علاقة مباشرة للحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد محمد بن سلمان بالجريمة. ولا يزال منبوذا في الغرب نتيجة لذلك. وباختصار، ففي الولايات المتحدة أصبحت الماركة السعودية في الولايات المتحدة سامة. وبالتالي فإن التحول من جانب الإعلام الليبرالي يشبه موقف الصقور والمحافظين الجدد عندما يتعلق الأمر بضرب دولة أجنبية. فالمرة الوحيدة التي وجد فيها الإعلام شيئا جيدا لقوله عن ترامب عندما قرر شن هجوم على سوريا حليفة إيران. وفي هذه المرة وجدوا أنفسهم وسط أزمة، فقد كانوا سيهتفون لهجوم عسكري وهم يحيون الذكرى الأولى على جريمة مقتل خاشقجي، وبهذا المعنى الإحتفاء بدولة أمر حاكمها الفعلي بعملية تشبه عمليات قتل المافيا ضد صحافي معارض له. وحتى كتاب الأعمدة في الصحافة الأمريكية سيجدون الأمر صعبا مثل محاولة المحور السني احتواء إيران.
ولأول مرة لا يحضر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي حليف بن سلمان والمهووس حتى الجنون بإيران اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهي التي كانت منبرا لشجب ما يقول إنه البرنامج النووي السري لإيران. وبدلا من ذلك فهو يقاتل من أجل مستقبله السياسي بعدما فشل بالفوز في الإنتخابات. ولو لم يستطع تشكيل الحكومة فسيواجه اتهامات الفساد. بل وتم عزل مستشار الأمن القومي المعتوه جون بولتون. وفي الوقت نفسه قررت الإمارات سحب جزء من قواتها في اليمن وخففت من نبرتها العدائية ضد إيران. فمن خلال التحول من استراتيجية “العمل العسكري أولا” إلى “السلام أولا” فهي تشير إلى نهاية النزاع وتعترف ضمنيا أن الحوثيين حلفاء إيران لا يمكن هزيمتهم. أما حليف السعودية في مصر، عبد الفتاح السيسي فيواجه مظاهرات قد تتحول إلى فوضى. وبالمقارنة فمجال التأثير الإيراني لا يزال قويا: سوريا مستقرة أما حزب الله اللبناني فيستيد السياسة اللبنانية. وفي العراق تهدد الجماعات الموالية لإيران بطرد القوات الأمريكية. ووطدت إيران علاقاتها العسكرية والإقتصادية مع الصين وروسيا أكثر من الماضي. وفي أعقاب الهجمات على المنشآت النفطية السعودية كتبت النائبة الديمقراطية تولسي غابارد قائلة ” أن يقوم بلدنا بالعمل كعاهرة نيابة عن السعودية لا يعتبر “أمريكا أولا”. وما فعله ترامب هو زيادة العقوبات على إيران وإرسال عدد من الجنود الأمريكيين إلى السعودية. وفي خطابه أمام الأمم المتحدة الأسبوع الماضي كرر أنه لا يسعى لمواجهة مع إيران. وقال إن المستقبل هو “للوطنيين” لا “دعاة العولمة” ودعا إيران إلى التفاوض، وهو كلام يتناسق مع استراتيجية أمريكا أولا ولا يطمئن السعوديين.
وبعد وصوله إلى البيت الأبيض تباهي ترامب بتوقيع عقود سلاح بقيمة 110 مليارات دولار مباشرة و340 مليار على مدى 10 أعوام. فيما وعد السعوديون باستثمارات في البنية التحتية في الولايات التي يحتاج ترامب للفوز بها. بل وأنفق السعوديون ملايين الدولارات على شكل حجز في فنادق ترامب.
ويؤكد الكاتب أنه “عندما يجد الجد فإن السعوديين لا يجدون من يدافع عنهم، ويرمي ترامب الأمراء الذين حلبهم إلى الذئاب الشيعية”. ويضيف لقد كتب ترامب في كتابه “فن الصفقة” “لا يمكنك خداع الناس، ليس لوقت طويل” بل “ويمكنك خلق إثارة وترويج رائع وتحصل على التغطية الصحفية وبإفراط قليل، لكن لو لم تقم بتقديم البضاعة فعندها يكتشفك الناس”. وقد فهم السعوديون هذا، ولديهم فكرة أوضح عندما يتعلق الأمر بمسألة الشريك الذي خدع.
نقلا عن القدس العربي