بدون شك، أجزم أن ضابط المخابرات السابق لدى النظام السوري أنور رسلان قال يوما للمعتقلين في سجن الخطيب:” بدك حرية ولاك؟ مين ربك ولاك؟ّ ثم ركل ببوطه العسكري وجوه المعتقلين ودعس على رقابهم، وأطفأ سيجارته في جلودهم، وعذّب وأشرف على قتل العشرات منهم، فكيف يقلل بعض السوريين من أهمية وأحقية محاكمته؟
تابعتُ الجدل الحاصل على وسائل التواصل الاجتماعي بين السوريين لمحاكمة ضابط المخابرات أنور رسلان بالمؤبد، عبر محاكمة تاريخية عبرت آلاف الكيلومترات من ألمانيا لمكان جرائمه في فرع الخطيب بدمشق، لتصدر حكما لأول مرة في تاريخ الانتهاكات ضد حقوق الإنسان التي مارستها أجهزة المخابرات التابعة للنظام السوري ضد المعارضين.
كان اعتراض من أزعجه الحكم أنه ضد ضابط “سني منشق”، تجاهلت المحاكم الأوربية الكثير من ضباط النظام، بما فيهم رفعت الأسد الذي مكث في فرنسا 40 عاما يسرح ويمرح بعد ارتكابه مجزرة حماة عام 1982 وقتل 50 ألف مدني بينهم أطفال ونساء!
وخطر لي كذلك قضية الضابط السوري الهارب خالد الحلبي الذي ساعده الموساد الإسرائيلي والنمسا في الحفاظ على حياته وإخفاء مصيره، بعد انشقاقه من الرقة بمساعدة قائد إسلامي عام 2015، ولجوئه لفرنسا بمساعدة من وليد جنبلاط الذي راسله الحلبي من تركيا، كون الحلبي درزي ينتمي لطائفة جنبلاط، وكون الأخير حاقدا على نظام حافظ الأسد الذي يتهمه باغتيال والده كمال جنبلاط، وسميت العملية يومئذ ” بالحليب الأبيض” كرمز لملف الحلبي، العميل المزدوج بحسب تحقيق صحفي لصحيفة لنيويوركر.
إضافة لزيارة علي مملوك إيطاليا باجتماع سري عقد عام 2018 مع رئيس المخابرات الإيطالية السابق ووزير الداخلية حاليا في ذاك الوقت ماركو ميتيني، وعلى الرغم من تقدم المركز الأوربي بشكوى قانونية ضد إيطاليا في المفوضية الأوربية لانتهاك حظر السفر المفروض على مملوك عام 2011، إلا أن الأمر أغلق دون محاسبة!
ولكن السؤال الأهم لكل من يشكك في جدوى محاكمة رسلان: ماذا لو مضى رسلان وبرقبته دماء مئات المعتقلين بدون محاكمة؟ هل كان ذلك سيقود لمحاكمة غيره داخل سوريا؟ وإذا كان الجواب بنعم، فنسأل عن الطريقة!
محاسبة الضباط والقتلة من قوات النظام وأجهزته الأمنية داخل مناطق سيطرة النظام أمر شبه مستحيل من المحاكم الأوربية وسط الوصاية الروسية والإيرانية على النظام السوري، لذا جاءت محكمة رسلان خارج سوريا، أول نفثة صدر لأهل الضحايا، الذي اعتبروا الحكم غير كافي، ولكنه خطوة وبداية لما بعدها!
الانشقاق لا يجب ما قبله إذا تورط صاحبه بالدماء والتعذيب والانتهاكات الجسيمة.
مقال رأي/ محمد إسماعيل
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع