رغم اﻷمل إلا أن الكثير من الأحداث تعود بالذاكرة ﻷناس كانوا منارة تضيء درب أطفال لم يعرفوا من الحياة الا اللعب والنوم.
في مدينة ادلب بدأت الحياة تعود لتطرق باب الأمل الهارب من أحيائها، فأسواق تُفتح، وأحياء اكتظت بالسكان، كان حي الضبيط من الأحياء المزدحمة، رغم القصف العنيف على أحياء المدينة إلا أن سكانها رفضوا الخروج منها، في الحي تجد المحلات بعضها بجانب البعض، وأمامها قد زرعت أشجار لتضيف للمنطقة رونقاً وعبيراً ولتزداد جمالاً في كل يوم.
طفل يمسك بيد أمه، وشيخ يستند على الحائط تعباً من ظروف الحياة، وفجأة! هدير طائرة حربية في السماء، فالابن أمسك بأمه محاولاً نسيان صوتها الذي لم يعد يفارق أسماعهم وعجوز لم يستطع التحرك من مكانه لضعف قوته ولكن الأوان قد انتهى، لقد سقطت حاوية متفجرة في وسط الأحياء السكنية، لم تكن الطائرة الحربية هي السبب ولكنها مروحية كانت على ارتفاع عالٍ لم يسمع صوتها.
فوزن الحاوية يبلغ طناً من المواد المتفجرة، وهي ضعف حجم البرميل الذي يزن نصف طن، وتحتوي مواد خردة من المعادن إضافة للمواد المتفجرة ، ويتم تصنيعها داخل معامل الدفاع القريبة من مدينة السفيرة جنوب شرق حلب.
بعد الانفجار بلحظات أصبح صراخ الأطفال والنساء هو المسيطر الوحيد على الحدث، فشهداء هنا، وجرحى هناك، وبكاء أطفال واستغاثات ناجين، وسيارات الإسعاف تحاول إسعاف من تبقى منهم على قيد الحياة، بالرغم من افتقار المدينة آنذاك للأليات الثقيلة التي تساعد فرق الدفاع المدني في إخراج المدنيين من تحت الأنقاض، أدت الحاوية لتدمير أربعة منازل بشكل كامل بمن فيها من السكان، لتبدأ حياتهم بالانتهاء مع مضي الوقت، بعد إخراجهم نقل الأب وأبناؤه الثلاثة إلى إحدى المستشفيات والأم لم تكن في المنزل حينها.
وقد بلغ عدد المنازل المدمرة في سوريا نتيجة قصف الطيران قد بلغ أكثر من مليوني منزل.
في المشافي الميدانية بدأ الأهالي بالقدوم إليها باحثين عن أبنائهم، يذكر أن المشافي الميدانية تعاني من صعوبات عديدة داخل المناطق المحررة، فقلة الدعم و نقص الكوادر الطبية كان من أكبر معوقاتها، كان من بين الجموع أم ثكلى، كبر سنها، ورق عظمها، أتت باحثة عن فلذات كبدها والأسى يتضرم في قلبها، بدأت بالبحث بين الجرحى لتجد ابنها محمد ذو الأربعة أعوام مصاب بجروح بليغة، لكنها لم تجد أبناءها البقية وزوجها.
يذكر أن آخر المجازر بالحاويات المتفجرة كانت في مدينة الباب بريف حلب راح ضحيتها 34 مدنياً. أوقفت الأم أحد الممرضين وسألته عن الجثث فقال “جميعها مهشمة ولم نستطع التعرف عليها”، اتجهت نحوها بخطى مترددة لتفجع بزوجها وأبنائها بين الشهداء، كيف لا وهي تحبهم كما تحب الأمهات أبنائهم، وكانت تخاف عليهم من نسيم الريح إذا مر بهم والآن تراهم جثثا وتتمنى لو أنهم بين يديها تضمهم ضمة قبل الوداع.
اذ أن عدد قتلى الأطفال في سوريا قد تجاوز ال 11 ألفاً حسب منظمة اليونيسف. نظرت إلى أطفالها وزوجها نظرة الوداع وعيناها تنزف دماً لا دمعاً كيف لا وليس الذي يجري من العين ماؤها ولكنها نفس تسيل فتقطر.
بعد أشهر تجاوز محمد ووالدته تلك الحادثة ليعود الأمل إليهم كباقي السوريين المصممين على الأمل رغم آلة القتل المستمرة، في المدرسة الابتدائية طلبت المعلمة من طلابها أن يحضر لهم آباؤهم كتباً ودفاتر للمدرسة، فقال محمد أنسة “ما عندي أب, بابا مات..راح ع الجنة . “أطفال لم تمنعهم آلة القتل وبراميل الطائرات من إكمال مسيرة الحياة، آملين بمستقبل مشرق يعود فيه الحق لكل مظلوم.
المركز الصحفي السوري – سائر الإدلبي