بالتزامن مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ” انتهاء مسار أستانة ” تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية في عدة محاور مختلفة،
التطور الأبرز هو فتح جبهات ريف حلب الشرقي من قبل ” الجيش الوطني” وهي الخاصرة الرخوة للنظام و المليشيات الإيرانية في محافظة حلب.
وكان لهجوم الفصائل العسكرية على محاور تواجد قوات النظام غرب حلب تطور آخر يدل على أخذ زمام المبادرة من قبل الفصائل العسكرية التي كان لها تأثر كبير على مجريات العمل العسكري، وتشتيت تركيز الروس وجيش النظام و المليشيات الإيرانية المشاركة بقوة بهذه المعارك.
لعل هذا التطور النوعي كان رسالة واضحة من أجل إيقاف العربدة الروسية وتنصلها من كافة الالتزامات التي تم الإتفاق عليها في ” الجولات الماراثونية ” من مؤتمر آستانا.
رغم أن تكافئ القوة العسكرية بين ” الفصائل الثورية ” و قوات النظام و مليشيات إيران شاسع وواسع و مع وضع روسيا جميع قواتها الجوية و زجها في المعارك بالإضافة الى قوات روسية على الأرض.
إلا أن المعارك كانت مفاجئة و ذات أثر كبير على المستوى العسكري، ربما تجبر الروس على العودة إلى طاولة المفاوضات لكن المؤكد أن الإتفاقات ستكون مختلفة.
من الواضح أن تركيا استشعرت أخيرا أن روسيا تمادت كثيراً في عملياتها العسكرية التي أدت الى تهجير مئات الآلاف من المدنيين السوريين من مناطق ريف إدلب وحلب، باتجاه الحدود التركية.
و هذا ما دفع تركيا لاستخدام بعض أوراق القوة التي تمتلكها، و هناك أوراق عسكرية أخرى ربما تستدعي الحاجة لاستخدامها فيما إذا دعت الحاجة، ولم تتوقف روسيا عن غطرستها ضد الشعب السوري و تهجيره و تدمير مدنه، وضربها بعرض الحائط كافة الاتفاقيات الموقعة في “مؤتمر آستانا” الذي أصبح من الماضي، نظراً للتطورات العسكرية المتلاحقة
أثبتت الوقائع أن مصطلح الحل السياسي الذي تتبناه الدول الفاعلة في الشأن السوري كان مجرد شعار فضفاض استغلته روسيا و قوات النظام لاعادة تجميع صفوفها في عدة جبهات، واتباع سياسة الأرض المحروقة وقضم المزيد من الأراضي المحررة، وسط حالة من صمت تركيا، و عدم جدوى سياسة الدفاع التي انتهجتها الفصائل الثورية.
من الواضح أن معارك الاستنزاف التي اتبعتها الفصائل في محاور متعددة سـاتي بنتائج ولكن لايمكن التكهن بنتائجها مبكراً،
لكنها بطبيعة الحال سيكون لها تأثير حقيقي على المسار السياسي.
في حال استمرت روسيا باتباع سياسة الأرض المحروقة لا يستبعد أن تفتح جبهة الساحل التي ستكون ذات تحول نوعي
هذه التطورات المتسارعة أعادت الملف السوري إلى الواجهة الدولية بقوة، بعد حالة من الصمت الدولي المثير للشك اتجاه المجازر الروسية و جيش النظام بحق الشعب السوري.
كما أن امتلاك زمام المبادرة العسكرية من قبل الفصائل الثورية أظهر الأوراق القوية التي يمكن استخدامها أمام الغطرسة الروسية.
والحد من تأثيرها في حال بقيت المبادرة من جانب الفصائل الثورية و فتح المزيد من الجبهات، و تشتيت الجهود العسكرية للنظام و روسيا، وهذا ما سيفتح الباب على رؤية سياسية جديدة ستشهدها الساحة السورية خلال الفترة القليلة القادمة، نابعة من سقوط مفهوم الحل العسكري الذي تمارسه روسيا و فشلت في تحقيقه خلال أكثر من أربع سنوات من التدخل الروسي إلى جانب النظام السوري.
وهذا أيضا يقوي الموقف التركي الذي تآكل مؤخرا بفعل السياسة الروسية التي مَارست الخداع و التنصل من الاتفاقيات الموقعة، و بدت بموقف ضعيف أما المجتمع الدولي الذي أتاح لروسيا و للنظام وقتا كافيا لحسم المعركة، لكن النتائج لم تأتي كما كانوا يتوقعون.
وبهذا تعود الحلول السياسية مجددا لبحثها على الطاولة بين الأطراف الدولية بشكل عام و روسيا و تركيا بشكل خاص، لكن من باب العمليات العسكرية التي عكست حقيقة الوضع السياسي بين الدول المتصارعة على الأرض السورية.
قحطان شرقي
كاتب وصحفي سوري
المركز الصحفي السوري