لم يكن الوضع العام في السويداء أفضل حالا من باقي المدن والبلدات الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، بل يعمّها الفوضى والإجرام وعدم المُحاسبة، فالأجهزة الأمنيّة جنّدت المئات من الشباب في فصائلها ( مليشيا حماة الديار-مليشيا كتائب البعث- مليشيا الدفاع الوطني- مليشيا الحماية الذاتية- مليشيا اللجان الشعبية-) بالإضافة لمليشيات سرية غير مُعلنة تتبع للأجهزة الأمنية مباشرة وعلى رأسها فرع الأمن العسكري والجوي.
ولعل أكثر الظواهر السلبية الخطف والذي يتم بشكل شبه يومي وأكثر ما ينطبق عليه وصف الاتجار بالبشر، فيتم بيع المخطوف عبر شبكة محليّة بإدارة أمنية خفيّة بعشرات الملايين بحسب ما أفادنا ناشط من المدينة رفض الكشف عن اسمه خوفاً من الملاحقة الامنية من النظام.
-فضلا عن حالة التّهرب والاستعصاء على الالتحاق بالخدمة الإلزامية التي تتصاعد يوما بعد يوم، وحسب أرقام الأجهزة الأمنية فقد بلغ عدد المُتخلفين عن الالتحاق والاحتياط والفرار ما يقارب 42 ألف، هؤلاء ال 42 ألف أصبحوا مطلوبين ولا يستطيعون التحرك باتجاه دمشق على الحواجز، أو السفر خارج القطر، لذا فمجال عملهم يُصبح محصورا داخل حدود المحافظة الصغيرة والفقيرة أصلا بمواردها.
وباعتبارهم أضحوا عاطلين عن العمل، هُنا يأتي النظام ويستثمر هذا الوضع ويبتّزهم بتسويات مُقابل التحاقهم بأحد الفصائل المحليّة التي تُساعد في المُحصلة بتثبيت أركانه وهيبته المُتلاشية في المُحافظة، وخاصة أنه يستثمرهم في أي مواجهة مُحتملة مع مشايخ الكرامة الذين فرضوا مُعادلة (توازن الرعب) مع النظام في المحافظة، خاصة في تأمينهم الغطاء لشباب السويداء غير الراغبين بالالتحاق بالخدمة العسكرية.
– عموما لا ثقة لدى أهالي السويداء بمؤسسات الدولة، لاسيما الأمنية والقضائية منها، خاصة بمُحاسبة المُجرمين التّابعين بشكل أو بآخر للأجهزة الأمنية عن طريق التعاقد أو البطاقات الأمنية التي وُزّعت بكثافة لهم، ولكن .. بالمقابل ما هو البديل عن عدم اللجوء الى مؤسسة القضاء لمحاسبة المُجرمين ؟ تتساءل الناس؟! .
فبات أغلب الأهالي يعلمون بشكل ضمني أن النظام يُغذي الحالة العائليّة بين أهالي السويداء عبر شراء الولاءات واللعب على التناقضات المصلحيّة لكل منهم، ويدفعهم بشكل أو بآخر ويُغذي بشكل ضمني الأخذ بالثأئر والقتل العشائري والاعدام الميداني ..
الأمر الذي يُؤدي الى المزيد من الفوضى .. تلك الفوضى التي هي الملعب الأهم للنظام للاستثمار به وطرح نفسه من جديد بأنه هو المنقذ ولا بديل عنه!
ويُساعد على هذا المناخ الذي يستثمر به النظام ما يتداعى في هواجس أهالي السويداء عن أين هي المنطقة المُحررة من سلطة النظام الناجحة والآمنة لكي نتشّجع أكثر ونثور عليه أو نستعصي أوامره؟! الحقيقة أنه يلف المشهد غالباً الوقوع في مخاوف المجهول، وما يُخفيه، مع ما يترافق ذلك طبعا من عدم وضوح الرؤية لحل سياسي حقيقي أو دعم حقيقي للمعارضة السورية، فبات الأغلب يرضى بالوضع الراهن – على علّاته – وعلى مضض، قياساً بما يُمكن أن ينتظره من خراب ودمار وبراميل ومجهول في حال قرر الغالبية الخروج من عباءة النظام.
– في الحقيقة الوضع جدا يدقّ وصفه ويُحيّر، فترى غالبيّة الأهالي كاشفة كذب وإجرام النظام، وفي الوقت نفسه لا تريد أن تستغني عن خدماته عبر مؤسساته، باعتبار الدولة هي النظام والنظام هو الدولة واقعياً!
وأكبر دليل على ما سبق هو حادثة خطف الممرضة سماح قطيش، فمن شرع بخطفها المدعو “علاء نكد” وهو عنصر بالدفاع الوطني، .. استطاع آل قطيش أن يخطفوه ويحتجزوه لديهم، وتكاثرت النخوات –بتغذية أمنية- عن ضرورة إعدامه ميدانياً، وطبعا النظام هُنا ياخذ دور المُتفرّج! وفي البداية رفض آل قطيش تسليمه للقضاء لعدم ثقتهم به! وفي نفس الوقت هُم موالون! .. وفي النهاية تمّ إقناعهم بضرورة تسليمه للقضاء، وعلى الأقل في هذه الحالة يتم تفويت الفرصة على النظام في أن يستثمر في الثأر والثأر المُقابل .. حيث أن ذلك سيؤدي بآل نكد إلى أن يثأروا لولدهم .. وهكذا …
– وعموم رأي المثقفين والنخب في السويداء مُغيّب تماماً ولا يستطيعون عمل شيء حيال فوضى السلاح والإجرام! فأبسط مُشكلة أضحت تُعرّضك لأن يُشهر السلاح في وجهك! مهما كانت تفاهة تلك المُشكلة.
– أما عموم المعارضة في السويداء ثابتة وقوية في مواقفها ولا خيار أمامها واقعيا إلا التمسك بسلميّتها ومدنيّتها، فأي خروج عن ذلك سيعرضها للمزيد من الملاحقة والاعتقال والاضطهاد. علماً أن عموم المعارضة والثائرين على النظام في السويداء هم في حالة حصار منذ 6 سنوات لا يستطيعون مغادرة السويداء تجاه دمشق خشية الحواجز، فإذاعات البحث بحقهم موجودة وتحت التفعيل حين الطلب.
والمعارضة تفرض نفسها بقوّة في السويداء في الخطاب والبيانات والمنشورات واللقاءات، وخطاب موالي / معارض، ثورة/مؤامرة، إرهابي/وطني … الخ تراه يوميا في حديث الناس إن كان في المنازل أو الشارع أو حتى داخل مؤسسات الدولة !
-أما فيما يخص موضوع جبران مراد في طريقه ليتم تحويله إلى محكمة الإرهاب في دمشق، وهناك وعود لذويه أن يتم إطلاق سراحه بمجرد عرضه على القضاء ويُحاكم طليقاً، هذه الوعود أتت بعد المفاوضات التي جرت بينهم وبين الأجهزة الأمنية على إثر قيام ذوي جبران بالتشارك مع مشايخ الكرامة بخطف تسعة عناصر للأمن والجيش كمقابل لإطلاق سراح جبران، حيثُ قام ذوي جبران الخميس الفائت بإطلاق سراحهم كبادرة حسن نية لإطلاق سراح شقيقهم جبران.
– لغاية الآن .. فشل النظام 90% من خططه التي يضعها لضرب السلم الأهلي داخل السويداء وضرب العائلات ببعضها البعض وضرب المشايخ ببعضهم البعض. حتى أنه أيضاً فشل بنسبة 90% من زرع الفتنة بين الدروز والبدو في السويداء.
الدروز الآن يعملون على( مبدأ التقيّة ) الموجود في المذهب الدرزي، فيتّقون شرّ النظام وإجرامه، مع علمهم بشرّه، عبر القبول ببقائه على مضد! سيّما وأنه لم يجدوا أي حالة مُشجّعة سورياً لكي يثورا عليه!
طبعا ولا يخفى على أحد أن النظام مُتمسك بمحافظة السويداء ويُراعي خصوصيّتها ولا يصب كامل إجرامه عليها باعتبارها أقليّة .. والكل بات يُدرك استثمار مبدأ حماية الأقليات من قبل النظام!
المركز الصحفي السوري – محمد العلي