الكثير من السوريين باتوا يعلمون أن المسألة لم تعد حربا أو ثورة بين شعب ورئيس دكتاتوري يحكم مفاصل البلد هو وأسرته ونظامه منذ خمسين سنة تقريبا, فمنذ قامت الثورة في سورية, كان المطلب البارز هو إسقاط الحكم ووحدة الشعب السوري لطرد الظلم والفساد في كل شبر من سوريا, وكان المتظاهرون السلميون يخرجون ليؤكدوا أن الشعب يدا واحدة تعددت أصابعها بأطياف ومذاهب ولكنها واحدة من (جسد واحد), لكن ما حصل حقا وبعد النزاع المسلح أراد العابثون للثورة الوأد, كان الأمر بعيدا كل البعد عما يراه الشعب, وأراد من له السطوة والقدرة على قلب الموازين أن يفز بأي ثمن ولو كان يدعي أحيانا أنه يقاتل ضد النظام السوري, وضربوا الثورة عندما تفرق كل فريق في واد في أغلب وجوه الثورة, مثل تنظيم الدولة وغيره، أما الأبرز على الساحة والذي كان ضربة في قلب الثورة السورية وشكل الصدمة الغير متوقعة من قبل السوريين, هو إعلان بعض (السياسيين الكرد وفصائلها) في الشهر الثالث من مطلع العام الجاري, بالتزامن مع الذكرى السادسة للثورة السورية, قيام دولة (فدرالية كردية) كما زعم مؤسسوها الأكراد, وكانت الخطوة تعتبر قولا فصلا أن ما يعني السوريين ككل, ليس بالضرورة ما يعني البعض من الأكراد!!, وقد توالت التصاريح الصادرة عن الأكراد حول هذه الخطوة، فمثلا صرح القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي سيهانوكديبو،لأحد المواقع الصحفية (إن قرار إعلان الحكم الذاتي في شمال سوريا تأخر لمدة تزيد عن 3 سنوات)!!.
ويرى الكثير من المحللين والسياسيين, أن هذا ما هو إلا قضية فصل عنصري وتقويد للثورة,وأنها نية مبيتة ولا علاقة لها بالتهميش الثوري للمكون الكردي, وأن كل المعطيات والحقائق سياسيا وعمليا وتاريخيا يؤكد أن الفدرالية المزعومة لا تصلح في البيئة السورية لأنها كما يرون قائمة, بالتقسيم تحت أساس عنصري أو ديني أو عرقي ولكن الفصائل وبعض القيادات الكردية ارتأت أن الحكم الذاتي بات حقيقة لا مفر منها بالنسبة لهم, والآن هو توقيت رائع لتحقيق الأمان الذي يطلبه ( الشعب الكردي) .
وللحديث عن هذا الموضوع نرحب بـ (ميسرة بكور) الباحث والمحلل السياسي السوري في هذا الحوار
شكرا وأهلا بكم أيضا:
بداية استاذ لو تو ضح معنى الفيدرالية ؟
نعم, الفدرالية بالمفهوم السياسي ليست شيئا سيئا, فالفيدراليّة هي نظام حكم منتشر في العالم أجمع؛ والكثير من دول العالم تتّبع هذا النوع من أنواع الحكم, ومن أبرز دول العالم التي تتبعه النّمسا والأرجنتين.
والنّظام الدستوري في أنظمة الحكم الفيدراليّة يرتكز على مبدأ الديمقراطيّة، ومن هنا فالنّظام الفيدرالي قد يكون نظاماً مناسباً؛ بحيث يهيئ المناخ المناسب لضمان حقوق كافة المكونات والعناصر التي تشكل هذا النظام مما يكفل حريّة التعبير للمواطنين وصونها .
2- ولكن هل يصلح هذا المفهوم في هل هو قابل للتطبيق خاصة بوجود ظروف الحرب الدائرة و تفرق وعدم توافق للشعب السوري على هذا المبدأ؟.
الحقيقة وبالنظر إلى واقعنا اليوم على الأرض السورية, لا نجد أن الهدف من الفدرالية هي تلك المعاني الطيبة التي تعرف بها الفدرالية, وطرحها في سوريا لن يشكل الحل أو المدخل للحل في سوريا,
الفدرالية المطروحة اليوم في سوريا, هي شكل من أشكال التقسيم, بعبارة أخرى “التقسيم المقنع” فالفدرالية التي تطرح بهدف تقسيم الجغرافيا السورية على أساس عرقي وطائفي وليس سياسي وطني, هو عنوان واضح للتقسيم .
3- الكثير من الآراء والتحليلات تجد, بأن هذا نتاج صراع طويل منذ القرن الماضي في المنطقة بوطن للكرد, ووجد فرصة لتحقيق الهدف, ما رأيك؟
بالنظر مليا من عدة جوانب, للجهات التي تطرح فكرة التقسيم “الفدرالية ” نجد أن أكثر المتحمسين لها هي فئة عنصرية تابعة لحزب العمال الكردستاني, المتطرف والذي يدعو بوضوح لتشكيل دولة يطلق عليها اسم “كردستان ” وتعمل على ذلك منذ عقود طويلة, فهدفها الرئيسي هو “كردستان” مستقلة, وهي بذلك تكون مستغلة ً انطلاق الثورة السورية قامت مجموعة ما يسمونه وحدات حماية الشعب الكردستاني, بتوفير كل أسباب ومقومات الانفصال عن سوريا, من خلال تشكيل ميليشيات عنصرية وإعلان حكم ذاتي وارتكاب عمليات تطهير عرقي بحق المكونات الأخرى من عرب وتركمان وحرق قراهم وأجبرتهم على ترك موطنهم الأصلي والتشرد في البراري والقفار نتيجة تصرفات هذه الفئة الباغية الحالمة بدولة كردية لا تعيش إلا في مخيلاتهم العنصرية .
4- ماذا عن الدول الفاعلة في الشأن السوري في طرح هذا النموذج في سوريا, ومن في سوريا من الكرد أو العرب بارك هذه الخطوة فعلا؟
لقد تبنت روسيا هذا الطرح في (الفدرالية) وروجت له وهي شريك نظام الأسد وحليفه القوي,
في قمع الثورة السورية, وسبق لروسيا أن فتحت في موسكو 10 فبراير /شباط ممثلية أكراد سوريا بهدف أن تلعب دورا مهما في تعزيز العلاقات بين الشعب الكردي وروسيا، وهذا دعم واضح للانفصاليين .
ليس هذا فقط, بل لم تعارضه الولايات المتحدة الأمريكية, كما أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا السيد ستيفان دي مستورا, قال أنه من الممكن أن تطرح هذه الفكرة على طاولة المفاوضات في جنيف, لكن وفد الهيئة العليا للتفاوض الممثلة لمطالب الثوار رفضت هذا الطرح جملة وتفصيلاً, كذلك خرجت مظاهرات في مناطق سورية عدة ترفض فكرة الفدرالية وأي شكل من أشكال التقسيم في سوريا.
وحدها منظمة حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني الإرهابي هي من تبنت الفكرة بل أعلنت فدراليتها من طرف واحد وفرضته على الواقع بقوة سلاح ميليشياتها, إن الذين يطرحون فكرة الفدرالية إما من مجموعات عنصرية عرقية انفصالية أو مجموعات طائفية فقدت السلطة والأحقية الأخرى أن معظم مناطق تلك الأقاليم المزعومة .
6- هل من الممكن أن يستمر هذا الانفصال, تحت شعار الفدرالية, وهل يرضى الشعب السوري بالقرار وكيف ستؤول الأمور بين مكونات النسيج السوري, وتحديدا العربي الكردي في المستقبل؟
لن يكون لمثل هذا الطرح أي مستقبل في سوريا لأنه مبني على أساس عنصري عرقي لا يهدف إلى وحدة سوريا الوطن والإنسان, بل هو مشروع دول الطوائف والعرقيات التي ستكون متناحرة متقاتلة في ما بينها بحثاً عن النفوذ ومقومات الصمود حيث أن الأقاليم الطائفية المقترحة ليست كلها على سوية واحدة من حيث توزيع الثروات النفطية أو الزراعية وكذلك السياحية, ولا يمكنها أن تصمد بمفردها وتستطيع تلبية متطلبات مواطنيها بسبب شح الموارد وضعفها ولا تتمتع بأغلبية ساحقة من العناصر الانفصالية وأراضيها غير متواصلة أو مترابطة, بل الأغلبية الكاسحة في عموم أرض سوريا هم العرب “السنة” الرافضين لفكرة تقسيم سوريا تحت عناوين مزخرفة “فدرالية” لجعل سوريا مجموعة من الدول الطائفية العنصرية تتقاتل في ما بينها ولا تلتفت لبناء سوريا الوطن والإنسان, ولا اعتقد أن المجتمع الدولي يرحب بمزيد من القلق والتطرف في منطقتنا, رغم رغبتهم بوجود دويلات ضعيفة لكن الأمن والهجرة والتطرف سيجعلهم يعيدون النظر في دعم التقسيم المقنع في سوريا “الفدرالية “,ثم أن الفدرالية بهذا المعنى ليست حلاً وهي غير مقبولة من عموم السوريين المخلصين لوطنهم, فالفدرالية لا تعني قيام مجموعة إرهابية عنصرية بتهجير السكان الأصليين وضم مناطقهم إلى إقليمها العرقي المزعوم,
وكيف لنا أن نصدق أن من يقوم بتهجير المواطنين من قراهم ومناطقهم بهدف ربط تجمعات سكانية لا تمت لهم بصلة وبقوة السلاح إلى أرض الميعاد الكردية.
ثم من قال أن الفدرالية , تعني أن تقوم حكومة الإقليم بالسيطرة على الحدود والثروات الباطنية وتغيير أسماء المناطق وأسماء المحافظات إلى أسماء غريبة عن الواقع وليس لها أي صلة بتاريخ المنطقة ’وهل الفدرالية أن يكون لك جيش “بشمركة” داخل الدولة ولا يتبع لوزارة الدفاع وكذلك قوات الأمن الداخلي التي لا تتبع للحكومة المركزية بل هي عناصر انفصالية ومن عرقية معينة,والمناطق المعنية بالنظام الفدرالي هي المقاطعات الكردية الثلاث، عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي، وعفرين في ريف حلب الغربي، ومنطقة الجزيرة في محافظة الحسكة (شمال شرق سوريا) بالإضافة لتلك المناطق التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية مؤخرا، خصوصا في محافظتي الحسكة وحلب شمال سوريا.
لا يمكن لمثل هذا المشروع “التقسيم” المقنع تحت عنوان الفدرالية أن يتم, لأن مكونات تلك الأقاليم الطائفية لن تنسجم في ما بينها لأسباب طائفية وعرقية, ومن ثم ضعف موارد معظم تلك الأقاليم, كون الثروة النفطية تتركز في مناطق شرق وشمال سوريا، كيف تتوقع من هذه الفئة ألا تعلن انفصالها عن سوريا في المستقبل, وهي التي تتعامل بشكل كامل تحت الوصاية الروسية التي تحتل سوريا, كما أن العديد من عناصرها تدربوا في معسكرات نظام الأسد, ومعظمهم يتلقى تعليماته من حزب العمال الكردستاني الإرهابي الانفصالي.
وعلينا ألا نتجاهل حقيقة الموقف الأمريكي في هذا السياق الذي أعلنته الولايات المتحدة أمس الأربعاء، أنها لن تعترف بأي مناطق للحكم الذاتي أو المناطق شبه المستقلة في سوريا.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية “مارك تونر” للصحافيين: “كنا واضحين جداً لجهة أننا لن نعترف بمناطق ذات حكم ذاتي في سوريا”وهذا يعني أن الكل متوافق على أن المشروع لن يقبل للتحقيق بكل الظروف.”
شكرا لك أستاذ ميسرة بكور وأهلا وسهلا بك باسمي وباسم أسرة الموقع.
امركز الصحفي السوري – زهرة محمد