((ضمن سلسلة حوارات في قضية الحكم الذاتي الكردي واستبيان خلفيات القرار الخارجي وحسب رؤية يبدو أنها معدة مسبقا من قبل أمريكا وروسيا والأطراف الفاعلة والمتدخلة في سوريا, ومباركة (الكرد) في خطوة غير محسوبة, سيكون هذا الحوار جزءاً أولياً ضمن لقاءات مع مختصين وباحثين, وكي نعطي كلاً منهم مساحة للتعليق والشرح بالتفصيل حول الحيثيات التي أدت للانفصال الكردي وأيضا معرفة ما حقيقة قبول الشعب السوري الكردي لهذه الخطوة, في خطوة غير مهتمة بالعواقب سياسيا أوعسكريا أوأخلاقيا)) .
كثيرٌ من السوريين بات يعلم أن المسألة لن تعد حربا أو ثورة بين شعب ورئيس دكتاتوري يحكم مفاصل البلد هو وأسرته ونظامه منذ خمسين سنة تقريبا, و منذ قامت الثورة في سورية, كان المطلب البارز للثورة إسقاط الحكم ووحدة الشعب السوري لطرد الظلم والفساد, وكان المتظاهرون السلميون يخرجون ليؤكدوا أن الشعب يدا واحدة تعددت أصابعها بأطياف ومذاهب ولكنها واحدة من (جسد واحد).
لكن ما حصل حقا وبعد النزاع المسلح وتدخل العابثين الذين أرادوا وأد الثورة, كان الأمر بعيدا كل البعد عما يراه الشعب, وأراد من له السطوة والقدرة على قلب الموازين أن يفوز بأي ثمن ولو كان يدعي أحيانا أنه يقاتل ضد النظام السوري.
ولكن الأبرز على الساحة الذي كان اسفينا في خاصرة الثورة السورية وشكل الصدمة غير المتوقعة, هو اعلان بعض (السياسيين الكرد وفصائل عسكرية تابعة لهم) في الشهر الثالث من مطلع العام الجاري, بالتزامن مع الذكرى الخامسة للثورة السورية, قيام (دولة فدرالية كردية) كما زعم مؤسسوها الأكراد.
وكانت هذه الخطوة تعتبِر أن ما يعني السوريين ككل, ليس بالضرورة ما يعني البعض من الأكراد!!, وقد توالت التصاريح الصادرة عن الأكراد حول هذه الخطوة؛ فمثلا صرح القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي سيهانوك ديب، لأحد المواقع الصحفية (إن قرار إعلان الحكم الذاتي في شمال سوريا تأخر لمدة تزيد عن 3 سنوات)!!.
يرى كثير من المحللين والسياسيين, أن هذا ما هو إلا قضية فصل عنصري وتقويض الثورة تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان, وأنها نية مبية ولا علاقة لها بالتهميش الثوري للمكون الكردي, و كل المعطيات والحقائق سياسيا وعمليا وتاريخيا تؤكد أن الفدرالية المزعومة لا تصلح في البيئة السورية, لأنها كما يرون قائمة على أساس التقسيم تحت أساس عنصري أو ديني أو عرقي، بينما ترى الفصائل وبعض القيادات الكردية أن الحكم الذاتي بات حقيقة لا مفر منها بالنسبة لهم, والآن هو توقيت رائع لتحقيق الأمان الذي يطلبه ( الشعب الكردي) .
نحاور في الجزء الأول الدكتور محمود حمزة – الباحث والمحلل السياسي في روسيا.
أهلا وسهلا بك دكتور محمود حمزة.
1- كثير من السوريين لا يعرفون إلا معلومات قليلة حول اشكالية الكرد في سوريا، لو تحدثنا بلمحة عن صراعهم في المنطقة وتواجدهم في سورية, منذ بداية القرن الماضي كيف كان لوجود الكرد فاعلية ودور في سورية؟
نعم الأكراد شعب مضطهد تاريخيا ولم يستطع أن يحقق حريته ووجوده كشعب له حقوق مثل بقية الشعوب, وهم شعب عريق وأصيل وموجودون في المنطقة منذ قرون, في العشرينات وعدهم الفرنسيون والبريطانيون بدولة كردستان ولكنهم خذلوهم، وكانت( سايكس بيكو) التي قسم المنطقة العربية حسب مخططات الاتفاقية بين فرنسا وبريطانية, طبعا هذه كلها حقائق تاريخية، فالشعب الكردي مضطهد قوميا وطبقيا (اجتماعيا وسياسيا وثقافيا).
وبالنسبة لدور الكرد في سوريا فإن لهم دوراً وطنياً في الكفاح من اجل استقلال سوريا من الفرنسيين, وهناك تعايش ثقافي واجتماعي وحياتي كبير بين مكونات المجتمع السوري وخاصة في الجزيرة السورية بين العرب والكرد والسريان وغيرهم.
2- هل نعتبر أن النظام هو الأب الروحي, لهذا الانفصال حسب ما دار بينهم من اجتماعات تحت مظلة روسية؟
أعتقد أن أصابع النظام موجودة في لعبة إعلان الفيدرالية للإيقاع بين مكونات الشعب السوري, فالنظام خبيث ويلعب بوحدة السوريين خلال 50 سنة, أما الدول الكبرى فهي تلعب دورا كبيرا, فروسيا من وراء الستار دعمت أصحاب الفيدرالية, ولكنها علنا تقول إن الشعب السوري هو من يقرر شكل الحكم في سوريا المستقبل, أيضا أمريكا تدعم وحدات الحماية الشعبية ومن يتعاون معهم هم يريدون استخدام المليشيات الكردية للضغط على تركيا من جهة وعلى داعش من جهة أخرى.
3- هناك من يدّعي أن الثورة همشت الأكراد وأن الثورة أبعدت المكون الكردي عن المكونات السورية في مطاليبها في التمثيل الخارجي والداخلي ؟
صحيح المعارضة فشلت في تلبية طموحات الثورة والسوريين ككل وليس فقط الأكراد, لأنها تمثلت بغالبها بنماذج متسلقة وانتهازية أقصت الناشطين الحقيقيين والثوار, والمشكلة أن الشخصيات الفاشلة في المعارضة التي تصدرت قيادة المعارضة لا تريد الاعتراف بفشلها بل تصر على التمسك بمناصبها وامتيازاتها. يعني أمراض النظام السوري موجودة في المجتمع السوري وفي المعارضة أيضا كجزء من الشعب السوري.
4- ولكن ألم يحسب من قام بالانفصال أو الفدرالية, أن هناك تبعات ربما تعود بالخسارة على كل الأطراف وألا يعتبر هذا صيدا في الماء العكر وتسلق على السوريين والثورة السورية, ففي حين كان هم الحكم الكردي هو الأمان في أرض وسيادة خاصة به فجميع الأراضي السورية يلحقها القصف والدمار؟
هم لم يعلنوا إقامة نظام فيدرالي هناك خطوات جدية في إقامة هذا المشروع, في انتظار ردود الفعل الخارجية والداخلية, ونعم بالتأكيد هو صيد في الماء العكر بالفعل وخيانة للثورة.
وأعتقد أنها رد على عدم إشراك جماعة صالح مسلم في مفاوضات جنيف, صالح مسلم ليس معارضا فكيف سيجلس مع المعارضة في جنيف ليذهب مع وفد النظام هكذا أكثر منطقية.
5- هل تتشابه هذه الخطوة كما يقول البعض مع الخطة (الإسرائيلية) في فلسطين ( نظام قائم على أسس عرقية وعنصرية), كما يرتئِي البعض؛ بيع وصفقات من أجل إعلاء طرف على حساب الأطراف التي لا تعجب السياسات الخارجية؟
أصحاب مشروع التقسيم, يبيعون ويشترون ويتعاونون مع من يقدم لهم أكثر دون أي اعتبار لمصلحة سوريا كبلد وشعب, طبعا هناك نوايا لدى جماعة صالح مسلم بإقامة فيدرالية إن سمحت لهم الظروف. ولكن أشير إلى أن الكرد في الجزيرة ليسوا أغلبية بل حوالي ثلث سكان المنطقة.
6- لماذا لا نرى انتفاضات أو مظاهرات كردية من الشعب الكردي على المشروع ورفضه إذا كانوا لا يرضون بالتقسيم ويريدون توحيد الراية السورية وإقامة دولة حق وعدل بين جميع الطوائف والإثنيات, هل هم يباركون قرار الفيدرالية في قرارة نفسهم, أم أنهم مغلوبون على أمرهم كما يرى البعض؟
الحقيقة أن الكرد مغلوب على أمرهم بالفعل, فهم يخضعون لضغوطات من النظام ومن جماعة صالح مسلم ومن داعش وسوريا ممزقة اليوم، لذلك يلتزمون الصمت بشكل عام لكن هناك نخبة سياسية كردية تعلن عن مواقفها ضد سياسة حزب صالح مسلم وخيانته الثورة, ويقول العقلاء الكرد نحن قد نريد الفيدرالية ولكن على أن تتم بالتوافق مع بقية مكونات الشعب السوري وليس من طرف واحد تعلن الفيدرالية فهي غير قانونية.
كما أن المناطق الثلاثة وهي الجزيرة السورية وعفرين وعين العرب-كوباني منفصلة عن بعضها فكيف يربطونها بفيدرالية وكيف نقسم سوريا إلى ولايات على أي أساس هل على أساس طائفي مثلا او ديني؟
الفيدرالية برأيي الشخصي لا تصلح ابدا في الوضع السوري, وعادة الدول تبني فيدراليات مكونة من مناطق متفرقة فيجمعها النظام الفيدرالي, وليس كما في سوريا فهي بلد موحد ونريد تقسيمها إلى فيدراليات وهذا غير منطقي.
7- ما نهاية الكذب الدولي أو ادعاءات عكس ما يجري خاصة أن من أكبر أسباب الانفصال هو مباركة النظام واتفاقياته من تحت الطاولة مع الانفصاليين؟
هناك مصالح جيوسياسية دولية تتصارع على الأرض السورية وعلى حساب الدم السوري والأرض السورية , هذا مخطط دولي لئيم وغير أخلاقي أراد ضرب الشعب السوري وتفريقه ؛ بتعبير أدق: القوى الكبرى لم ترد أن تزيح الأسد فلها جميعا مصلحة مع النظام وخاصة إسرائيل, ولذلك انتظروا لكي تتدمر سوريا وتتفتت ليقولوا كفى تعالوا نحل المشكلة .
8- ما تبعات هذا الموقف وكيف يجب أن يكون رد المعارضة السياسية وأيضا الفصائل الثورية في المراحل المقبلة, كيف ستؤول الأمور برأيك؟
نحن يجب أن ننجح بمفاوضات جنيف عن طريق العمل مع الأصدقاء ومطالبة روسيا بالضغط على النظام كي يقبل بالعملية السياسية وتشكيل هيئة حكم انتقالي, عندما نصل إلى حل سياسي للمشكلة وينشأ جيش وطني سوري, عندها (صالح مسلم ) لن يشكل أي عائق أمام بناء سوريا الجديدة وأقصد أنه من الممكن تجاوز مشكلته والتخلص من (زعبرة) صالح مسلم وطرد ميليشياته من سوريا.
أما صالح مسلم فيريد فرضها بالقوة وكأمر واقع يعني مثل داعش فرضت الخلافة على المناطق التي تحتلها وصالح مسلم مثلها يريد فرض نظام الفيدرالية بالقوة في المناطق التي يسيطر عليها.
9- هل يمكن درء فتح جبهة دامية بين طرفين جديدين هما العرب والكرد في الثورة بعد داعش والنظام وجهات أخرى كثيرة, وهل من الممكن سد الفجوة الكبيرة بين الطرفين وأين مكان الثورة في المستقبل ؟
لن تكون حربا مع الكرد, بل بين الشعب السوري بكافة مكوناته وبين داعش وكل من يقف بوجه التغيير السياسي الديمقراطي وضد كل من يقف ضد وحدة سوريا أرضا وشعبا, اليوم علينا التحلي بالحكمة والصبر وعدم التهور لأن ما أعلن من فيدرالية هو كفقاعة الصابون ستزول فور تحقيق حل سياسي في سوريا.
إذا رجعت الحقوق لأصحابها وأصبحنا أحرارا فاعتقد يمكن للتعايش السلمي الأخوي أن يرجع من جديد, المهم في النهاية أن يسقط النظام الفاسد الإجرامي, والثورة موجودة في قلوبنا ولم تمت مثل النار التي خَفَتَ وهجُها لكنها لم تنطفئ وستعود إلى وهجِها فورَ توفّر الحد الأدنى من حرية الحراك, وفي فترة الهدنة ظهرت مظاهرات سلمية في كل مناطق سوريا رددت شعارات الثورة نفسها التي كانت عام 2011.
زهرة محمد
المركز الصحفي السوري