قصاصة ورقية مليئة بكتابات تحذيرية: إذا كان لديك حساسية مفرطة، أو كنت امرأة حاملًا أو مرضعًا، لا تصرف الدواء دون استشارة الطبيب.
الهدف من هذه التحذيرات كان حماية المريض من تأثيرات جانبية تسبب له الضرر، في حال أساء استخدام الدواء، لكن المرضى السوريين اليوم في تركيا لا يلقون لها بالًا، لأنها مكتوبةٌ أساسًا بلغة لا يفهمونها.
ويشتكي الصيادلة الذين يمارسون أعمالهم في مراكز طبية في تركيا، من أن ثقافة السوريين باستعمال الأدوية ليست صحية بدرجة كافية.
المضاد الحيوي دواء لكل الأمراض
الصيدلانية السورية، هديل السعيد، خريجة جامعة عمان وتعمل اليوم في اسطنبول، وحسبما رأت خلال عملها في الأشهر الثلاثة الأخيرة، فإن مضادات الالتهاب هي الأكثر طلبًا لدى المرضى، وتوضح “المريض يُصر على استخدام المضادات الحيوية دون أن يكون بحاجة. استعمال المضادات بحاجة لحالات متخصصة، (كورس) زمني محدّد، لكن المريض يكتفي بحبة أو حبتين ويعتبره دواء لكل الأمراض حسبما اعتاد في سوريا”.
ودعت الصيدلانية لعدم التساهل في استعمال المضادات الحيوية، مؤكدةً أنه نتيجة الاستخدام “غير الواعي” تتولّد مقاومة من البكتريا ضد دواء الالتهاب، وتتطور بعدها حتى يصبح استخدامه دون أثرٍ فاعل، و”المريض بحاجة لأدوية بتركيز أعلى”.
وعن الخطوات التي يجب اتباعها عند الشعور بالمرض، تقول السعيد “يجب أن يترك المريض لنفسه مساحة لمقاومة الجسم، يعتمد خلالها على السوائل الساخنة والفواكه، وفي حال لم يتحسن خلال فترة أسبوع يتوجب عليه مراجعة طبيب”.
لكن المرضى السوريين “نادرًا ما يسألون عن تأثيرات الدواء الجانبية أو أعراضه، كل ما يهمهم هو الاستطباب بشكل سريع بأي وسيلة”، وفق الصيدلاني حازم سكر، الذي يعتبر ذلك “فهمًا خاطئًا لاستخدام الدواء”.
لم يلحظ سكر، الذي يعمل في مستوصف جمعية “معًا” في اسطنبول، اختلافًا في نسب الاستهلاك الدوائي عما كان عليه في سوريا، خاصةً أن جو تركيا وسوريا متقاربان، بالإضافة إلى العادات الغذائية وهي نقطة تؤثر على استعمال الدواء.
وحول مسؤولية الصيدليات والمراكز السورية بتوزيع الأدوية دون وصفات موثقة من الأطباء، يقول سكر “نحن في المستوصف لا نقدم الدواء إلا بوصفة طبية، ونادرًا ما نقدم الأدوية دون وصفة طبيب لحالات واضحة كالصداع والتهاب الحلق”.
وخلال جولة أمام أحد المراكز الطبية في اسطنبول، أكّد معظم المراجعين أنهم لا يهتمون بتركيبة الدواء وتأثيراته، وينظرون إلى وصفة الطبيب على أنها الوسيلة للحصول على الدواء من الصيدلية، المهم هو الشفاء بشكل عاجل”، لكنّ مريضةً أخرى قالت إنها تتأكد من الطبيب قبل الصيدلي عن فعالية الدواء وتأثيره.
المضاد الحيوي “شربة الماء“
لكن طبيبًا سوريًا (رفض كشف اسمه) يعمل في مركز “ابن النفيس”، الذي يملك صيدلية خاصة به أيضًا، يرفض أن تكون المسؤولية في “فوضى الاستهلاك” الدوائي على عاتق المريض وحده، معتبرًا أن الطبيب والصيدلي لهما دورٌ في نشر هذه الثقافة، “استعمالنا للمضادات الحيوية كشربة الماء، على سبيل المثال إبرة المضادات الحيوية توصف من قبلنا لأبسط الحالات، بينما في ألمانيا لا توصف هذه الإبرة إلا بعد 21 يومًا من المرض وداخل المشفى حصرًا”.
وفي محاولته لتبرير موقف الأطباء قال “مريضنا بحاجة للشفاء العاجل، في الوضع الذي نعيشه هنا، أو في سوريا، يجب أن يتعافى المريض ويعود للعمل لتأمين مصاريف الحياة، بينما في أوروبا إذا تعرضت لوعكة صحية لست بحاجة للفوضى، فمعاشك وضمانك مستمر”.
وأثناء البحث عن إحصائية دقيقة توضح نسبة استهلاك السوريين للمضادات الحيوية، تبيّن أنهم ليسوا الأكثر استخدامًا لها، فذكرت دراسة طبية صادرة عن معهد “Vaccine and Infectious Disease”، في جامعة “أنتويربن- بلجيكا” أن تركيا تأتي في المرتبة الأولى في استعمال المضادات الحيوية بين دول منطقة الاتحاد الأوروبي، وهو أعلى معدل استخدام بين دول منظمة الصحة العالمية، بمعدل جرعة يومية لـ 42.2 شخص، من بين كل ألف نسمة.
وعزا التقرير، الصادر في آذار 2014، هذا الارتفاع في الاستهلاك إلى “استعمال المريض للدواء دون وصفة طبية، بسبب قصور في الأنظمة الطبية أو بسبب تشخيص متأخر للمرض”.
المريض: أريد الراحة
يتجول العم خالد (60 عامًا) بين المراكز الطبية السورية في تركيا، محاولاً الحصول على مجموعة من الأدوية، أملاً بأن تخفف من آلام ظهره التي حملتها الأيام، ولم يستطع الطبيب ووصفته الطبية أن تريحه.
سمع العمّ لصوته الداخلي وبدأ بطلب أدوية ظن أنها ستريحه، بعد خبرة في الأدوية كسبها خلال رحلته في الحياة.
وفي ظلّ هذه الفوضى والتنصل من المسؤوليات بين الأطباء والمرضى، وسط غياب الرقابة الحكومية عن هذه المراكز، يبقى المريض “حكيم” نفسه، وسببًا في ضررها دون أن يعلم.
عنب بلدي