تساءل الكاتب ليون آرون بمقال في مجلة فورين بوليسي الأميركية عن سبب عدم تلهف الولايات المتحدة لوقف الحرب المستعرة في سوريا منذ سنوات؟ وقال إن من بين العديد من العقبات التي تعترض جهود الغرب لوقف المجازر في سوريا وتخفيف أزمة اللاجئين، هو التغلب على الصراع العميق الدائر بين روسيا وأميركا على الأراضي السورية.
وقال آرون إن ثمة غموضا يلف سرَّ عدم اهتمام إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بالأزمة الكارثية في سوريا، وأضاف أن الحرب تعتبر بمثابة أزمة طارئة مزعجة فرضتها الظروف على البيت الأبيض، وأنها لا تتفق مع أجندة الرئيس الإستراتيجية.
وأما بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن سوريا تعتبر جزءا مهما من المشروع الأيديولوجي والجيوسياسي على المدى الطويل، فهو يراها من الضرورات السياسية لبقاء نظامه برمته.
وقال آرون إنه ليس من السهل فهم ما يفكر به بوتين، وخاصة بعد تمرسه في مدرسة المخابرات السوفياتية السابقة (كي جي بي) وأكاديمية الاستخبارات الخارجية السابقة، ولكن يمكن استنباط أمرين يشغلان باله على الدوام ويمثلان عقيدته السياسية.
ذل وبؤس
وأول هذا الأمرين هو أن بوتين يعتبر نهاية الحرب الباردة بمثابة مصدر من الذل والبؤس الذي لا ينتهي بالنسبة لروسيا، وأن حال بلاده كانت أشبه بحال ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الأولى عندما وقعت معاهدة فرساي.
كما يعتبر بوتين أن جدول الأعمال الإستراتيجي الشامل لأيِّ زعيم روسي وطني حقا، يجب أن يشمل استرجاع واستعادة الأصول السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية التي خسرها الاتحاد السوفياتي السابق.
كما أشار الكاتب إلى الصعود الروسي وإلى طموحات بوتين على الساحة الدولية، وإلى ضمه شبه جزيرة القرم ثم تحوله إلى سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2015، عندما تدخل عسكريا وعزز من قواعده فيها.
ومن هنا يمكن القول إن وجود روسيا في سوريا هو وجود لا نهاية له، وإنه يعتبر ضروريا بالنسبة لبوتين لتحقيق أهدافه، وما انسحاب روسيا من سوريا إلا مناورة وإعادة انتشار، ومن الممكن إعادة كل المعدات الحربية في غضون ساعات.
تفكير
وأضاف أن روسيا تواصل دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد دعما جويا، وبصواريخ إسكندر التكتيكية، وبالمدفعية والمعلومات الاستخبارية والاستهداف.
وقال الكاتب إنه في ظل معرفتنا للطريقة التي يفكر بها بوتين، فإنه يمكن تفسير عدم نجاح دعوات الرئيس أوباما عبر رحلات وزير خارجيته جون كيري إلى موسكو لإيجاد “أرضية مشتركة” في سوريا.
وأشار آرون إلى لقاء كيري وبوتين في منتجع سوتشي على ضفاف البحر الأسود العام الماضي، عندما أعرب الوزير الأميركي عن سعادته لوجوده في حضرة بوتين الذي تعامل معه بالطريقة ذاتها التي يتعامل فيها مع العامة والأطفال والمستخدمين.
وأضاف أن الغرب يريد السلام في سوريا ولكن بوتين يحتاج فيها إلى النصر، وعليه فإنه يبدو أن المعارضة المدعومة من الغرب إما أن تنتهي أو أن تضطر للتخلي عن سلاحها ضمن اتفاقية بين روسيا والولايات المتحدة.
خياران
وبعد ذلك يكون الغرب أمام خيارين: أحدهما يتمثل في نظام الأسد والآخر في تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وبهذه الحالة فإن نظام الأسد سوف ينجو، وتكون روسيا قد استعادت موقف الاتحاد السوفياتي بوصفها لاعبا دوليا لا غنى عنه وممثلا رئيسيا في الشرق الأوسط.
وأضاف أن بوتين سيبقى يقاتل في سوريا حتى يحقق أهدافه، إلا إذا تفاقمت الأمور وزادت تكلفة الحملة عن الفوائد المرجوة من ورائها.
وأشار الكاتب إلى تصريح لكيري في مارس/آذار الماضي، عندما قال إنني لا أرى أي تهديد من أي نوع لإقامة روسيا منشآت جديدة في سوريا، “فنحن لا نريد قاعدة في سوريا ولا نتطلع إلى وجود على المدى الطويل فيها”.
وقال آرون إن بوتين يعتبر الحرب في سوريا منخفضة المخاطر ومرتفعة العوائد، وإنه ليس لدى الولايات المتحدة أي قدرة أو رغبة في قلب الموازين، بينما أوروبا تتألم على ضياع شبه جزيرة القرم والحرب بالوكالة في أوكرانيا.
مركز الشرق العربي