في منطقة صغيرة بين سوريا وإسرائيل، يستعد حزب الله لما يزعم أنها ستكون أكبر حرب على الإطلاق.
هناك بلدة لبنانية صغيرة تقع على جانبي وادٍ شديد الانحدار مع سوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى تحت مراقبة قاعدة عسكرية إسرائيلية على قمة أحد الجبال القريبة، في حين أن مراكز المراقبة التي تضم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تراقبها من ناحية أخرى. يسيطر الجيش اللبناني على مجموعة متنوعة من المراكز داخل المدينة وضواحيها، والجبال المغطاة بالثلوج في مرتفعات الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل يمكن رؤيتها بوضوح من وسط المدينة.
تتقاطع في هذه المدينة صراعات عديدة في المنطقة. على بُعد أميال قليلة نحو الشرق، على الجانب السوري من الحدود، تسيطر مجموعة من قوى المعارضة – بما في ذلك جبهة النصرة ومجموعات داخل الجيش السوري الحر، والميليشيات المتحالفة مع تنظيم الدولة الإسلامية – على الأراضي هناك. وداخل الوادي، تراقب إسرائيل وحزب الله بعضهما البعض بحذر شديد.
يعوّل حزب الله على هذه المنطقة لتصبح نقطة اشتعال لأي صراع مستقبلي مع إسرائيل. في القتال إلى جانب الحكومة السورية، خسر حزب الله أكثر من 1000 من مقاتليه، واكتسب مستوى من الخبرة التكتيكية وحصل على بعض الأسلحة التي جعلت منه قوة أكثر تهديدًا لأعدائه في أماكن أخرى بالمنطقة. المقربون من الحزب يقولون إنّه للمرة الأولى يمتلك حزب الله القدرة على شنّ حرب ضد إسرائيل على الأراضي الإسرائيلية.
وقال مصدر مقرب من الحزب في جنوب لبنان: “في الحرب القادمة، حزب الله لن يبقى على الحدود، ولن تكون المستوطنات الإسرائيلية في الشمال على منأى من هذه الحرب. سيجلب حزب الله الحرب لهم، وأكثر ما يثير القلق في إسرائيل هو خبرة حزب الله في سوريا، كما أن لديه الخبرة الآن في الهجوم بدلًا من مجرد الدفاع كما كان في السابق.”
بين الصواريخ الموجّهة وتنظيم الدولة الإسلامية
الأعمال الانتقامية الأخيرة من حزب الله الأخيرة ضد إسرائيل قرب بلدة شبعا تسلّط الضوء على هذه المنطقة باعتبارها نقطة الضعف في أمن إسرائيل.
في الشهر الماضي، وسط الضباب الكثيف، عبر العديد من مقاتلي حزب الله السياج عند سفح البلدة التي تفصلهم من مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل. وبعد تجاوز الرادارات الإسرائيلية والمواقع العسكرية، زرعوا عبوات ناسفة على بُعد بضعة أقدام بعيدًا عن قاعدة عسكرية إسرائيلية كبيرة في المنطقة. وبعد ذلك بيومين، تمّ تفجير العبوات الناسفة، وإلحاق أضرار هائلة بجرافة D9 ومركبات الهمفي العسكرية أثناء مرور قافلة عسكرية إسرائيلية.
وفي حين مرّت الحادثة دون لفت الكثير من الأنظار – لم يكن هناك وفيات – لكنها سلّطت الضوء على قدرة الجماعة اللبنانية المسلّحة على التسلل إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل.
كانت هناك هجمات أخرى أكثر فتكًا شنّها حزب الله في المنطقة. وبعد الضربة الإسرائيلية لعدد من أعضاء حزب الله الرئيسيين في محافظة القنيطرة لسوريا في يناير/ كانون الثاني عام 2015، قام حزب الله بالرد بإطلاق عدة صواريخ على دورية إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة، مما أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين.
على الجانب الإسرائيلي، أكّد كبار المسؤولين أنَّ حزب الله لا يزال واحدًا من أكبر التهديدات الأمنية على إسرائيل وأثاروا احتمال حدوث هجوم واسع النطاق ضد الحزب. “إيران تشنّ حربًا ضد إسرائيل عبر وكلاء مثل حزب الله في لبنان، الذي يشكّل اليوم أخطر تهديد لإسرائيل”، هكذا قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي إيزنكوت، مهندس “عقيدة الضاحية”، على اسم ضاحية جنوب بيروت؛ وهي عقيدة تدعو لاستخدام القوة لتحقيق الأهداف العسكرية.
وذهب وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون إلى أبعد من ذلك، وقال خلال مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي في الشهر الماضي:/ “في سوريا، إذا كان الخيار بين إيران وتنظيم الدولة الإسلامية، فأنا سأختار تنظيم الدولة الإسلامية. إيران هي التي تحدد مستقبل سوريا، وإذا استمر هذا الوضع، فإنَّ الهيمنة الإيرانية في سوريا ستكون تحديًا كبيرًا لإسرائيل.”
وبالرغم من إطلاق حزب الله صواريخ غير موجّهة على إسرائيل خلال حرب عام 2006، إلّا أنًَّ أسلحة الحزب تطورت بشكل كبير. ووفقًا للمحللين ومصادر مقربة من الحزب، يمتلك الحزب صواريخ باليستية تكتيكية وصواريخ سكود، والصواريخ الإيرانية فاتح -110، وصواريخ M-600، وهي النسخة السورية المعدّلة من صواريخ فاتح -110.
وقال جيفري وايت المحلل الدفاعي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “الآن، يمتلك حزب الله القدرة على إطلاق الذخائر الموجّهة عبر إسرائيل، بل يمكنه ضرب أهداف داخل إسرائيل، بما في ذلك مراكز القيادة، والمطارات، والأهداف الاقتصادية الكبرى.”
وقال وايت إنَّ حزب الله حصل على أنظمة الدفاع الجوي المتطورة وصواريخ كروز البحرية طراز الياخونت، والتي يمكن أن تهدد القوات الجوية الإسرائيلية وتستهدف منصات النفط في البحر الأبيض المتوسط.
وأردف: “هذا شيء جديد. لقد كان 95 بالمئة من النشاط البحري في عام 2006 من الجانب الإسرائيلي، ولذلك فإنَّ الحرب القادمة على العمليات البحرية يمكن أن تكون مختلفة تمامًا.”
كما أنَّ الضربات العديدة من قِبل سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا منذ عام 2013 والتي استهدفت مخابئ للأسلحة تابعة لحزب الله، تشهد على عمق المخاوف الإسرائيلية بشأن استحواذ الحزب على الأسلحة المتطورة. وقد حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارًا وتكرارًا من أن نقل الأسلحة إلى حزب الله هو “خط أحمر”.
وقال نتنياهو خلال مقابلة مع قناة سي إن إن في العام الماضي: “إذا كان أي شخص يريد استخدام الأراضي السورية لنقل الأسلحة النووية لحزب الله، سنتخذ الإجراء اللازمة ضد. ونحن نواصل القيام بذلك.”
في الشهر الماضي، نفّذت القيادة الشمالية الاسرائيلية – بما في ذلك وحدات القوات البحرية والقوات الجوية – مناورة تدريبية لمدة أسبوعين استعدادًا لاحتمال اندلاع حرب على جبهات متعددة على حدودها الشمالية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارات وهمية على مواقع حزب الله العسكرية ومعسكرات التدريب في بلدة شرق بعلبك اللبنانية، وذكرت مصادر تابعة للحزب أنه تمّ شنّ تلك الهجمات لاختبار مستوى ردود فعل حزب الله.
وقال أحد المصادر: “الإسرائيليون يريدون معرفة أي نوع من أنظمة الدفاع الجوي يمتلكها حزب الله.”
وقد غيّرت قوات الدفاع الإسرائيلية أيضًا تقييم عملياتها لتعكس احتمال أن حزب الله كان بحوزته أنظمة صواريخ أرض-جو متطورة ولديه القدرة على استهداف الطائرات المقاتلة الإسرائيلية.
لكنَّ بعض المصادر داخل الحزب كانت متحفظة عندم السؤال عما إذا كان الحزب سيستخدم الأسلحة الجديدة في حرب مستقبلية أم لا. وأضاف مصدر آخر: “في كل حرب هناك مفاجآت جديدة فيما يتعلق بالأسلحة، ونحن لا نكشف ما لدينا حتى يأتي الوقت المناسب”.
كيف غيّرت سوريا حزب الله؟
يتوقع بعض المحللين أنَّ الحرب السورية قد عرقلت حزب الله، ومنعته من التحضير لصراع مستقبلي مع إسرائيل. لكنَّ المقربين من الحزب يزعمون أن العكس هو حدث وأن القتال لدعم القوات المسلحة السورية وفرّ لحزب الله كادر من المقاتلين المسلّحين تسليحًا جيدًا.
” وقال مصدر داخل الحزب: “يحصل مقاتلونا على التدريب الضروري ويكتسبون الخبرة اللازمة من خلال العمل الذي يقومون به في سوريا، وهذا مصدر قلق كبير لإسرائيل. لكن عملنا في سوريا لن يصرفنا عن الجبهة الجنوبية ضد إسرائيل.”
في خطاب يوم 17 فبراير، ركّز زعيم حزب الله حسن نصر الله على إسرائيل، محذرًا إياها من عواقب وخيمة إذا خططت لشنّ حرب ضد حزب الله. في إشارة إلى قدرات الحزب، تحدث عن مصنع للكيماويات في مدينة حيفا الشمالية كمثال على هدف محتمل. ونقلًا عن خبير إسرائيلي لم يكشف عن اسمه، قال إنَّ صاروخًا استهدف خزانات الأمونيا التي تحتوي على أكثر من 15000 طن من الغاز، أدى إلى عشرات الآلاف من القتلى وإصابة 800 ألف شخص.
وحذّر الخبير قائلًا: “هذا من شأنه أن يكون بمثابة صنع قنبلة نووية، ونستطيع أن نقول إنَّ لبنان اليوم لديه قنبلة نووية، نحن نرى أن أي صاروخ قادر على ضرب هذه الخزانات يمكن أن يكون له نفس تأثير القنبلة النووية”.
لكن التغييرات التي طرأت على حزب الله في العقد الماضي تتجاوز أسلحته الأكثر تقدمًا. قبل مشاركته في الحرب السورية، تضمنت خبرات الحزب في ساحة المعركة في السنوات الأخيرة إرسال فرق صغيرة تضم ما بين خمسة إلى خمشة عشر مقاتلًا يتسللون إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. وكانت هذه العمليات تتطلب عددًا محدودًا من المقاتلين المدربين وكان يمكن إنجازها – من مغادرة القاعدة إلى العودة – في غضون ساعات قليلة. ولكن في سوريا، وجد قادة حزب الله أنفسهم مسؤولون عن قيادة مئات من المقاتلين في معركة واحدة.
وهذا يتطلب أن يضع قادة حزب الله هيكلًا متطورًا للقيادة والسيطرة، بما في ذلك شبكات اتصالات سلكية ولاسلكية متطورة، واستخدام طائرات بدون طيار للاستطلاع، والقدرة على الحفاظ على خطوط الإمداد الطويلة، وهذه تكتيكات يعتقد أعضاء الحزب أنها تلعب دورًا محوريًا في الحرب القادمة ضد إسرائيل.
“يعتقد الإسرائيليون أن لدينا القدرة على غزو القرى في الشمال والبقاء والسيطرة على المناطق أيضًا”، هكذا قال مصدر مقرب داخل حزب الله تحدث عن الخبرة التي اكتسبها الحزب في سوريا.
أن تقاتل أو لا تقاتل
وفقًا لكل من المحللين والمقربين داخل دوائر حزب الله، فإنَّ الحزب لا يتطلع لحرب مع إسرائيل في المستقبل القريب. هذا ليس فقط بسبب تورطه في سوريا، ولكن أيضًا لأن المناخ السياسي في لبنان ليس مؤاتيًا كما كان في عام 2006.
وإجمالًا، أصبح لبنان أكثر استقطابًا سياسيًا، وهذا وضع حزب الله في موقف دفاعي. يعارض كثير من اللبنانيين جدول أعمال الحزب – في كل من سوريا ولبنان – ولم يعد من الممكن الاعتماد عليه للترحيب بأولئك الذين يفرّون من جنوب لبنان في حال اندلاع حرب بتحريض من حزب الله. وعلاوة على ذلك، فإنَّ سوريا لم تعد متوفرة كخيار للنازحين في لبنان، كما كانت عليه في عام 2006. وإذا اندلعت حرب أخرى ضد إسرائيل، فهذا قد يؤدي إلى موت مئات الآلاف من اللبنانيين الذين تقطعت بهم السبل تحت وابل من الصواريخ والطائرات المقاتلة.
لكن على الرغم من هذه الروادع التي تمنع نشوب حرب، لا تزال مدينة شبعا محفوفة بالمخاطر؛ فالتوترات داخل شبعا هي صورة مصغرة لتلك الموجودة في قرى جنوب لبنان. بلدة شبعا هي موطن الأغلبية السُنية ولكن تحيط بها بلدات وقرى درزية، وبها كنيسة صغيرة تضم سكانها المسيحيين أيضًا. على الصعيد السياسي، أقوى قوة في المدينة هي حركة “الجامعة الإسلامية” التي ظهرت على الساحة خلال الأزمة السورية بسبب تدفق الأموال والتبرعات من الخليج من أجل خدمة اللاجئين السوريين. النائب عن تلك المدينة هو عضو في حزب البعث احتفظ بمقعده على مدى السنوات الخمسة عشر الماضية. وعلاوة على ذلك، لا يزال هناك وجود قوي لأفراد “لواء المقاومة” الجماعة غير الشيعة التابعة لحزب الله في لبنان.
كما تأثرت مدينة شبعا إلى حد كبير نتيجة لتدفق السوريين الفارين من الحرب – ما يقرب من 4000 من سكّانها البالغ عددهم 7000 هم من اللاجئين، ويأتي معظمها من بيت الجن، وهي بلدة سورية تقع فوق جبل شبعا. وبالرغم من التوترات الكبيرة بين السكّان المحليين واللاجئين في الوقت الراهن، فإنَّ استمرار الحرب السورية لمدة طويلة قد يجعل العلاقة أقل استقرارًا.
وقال أحد السكّان: “السوريون يمثلون عمالة أرخص بكثير من اللبنانيين، وهذه مسألة خطيرة. لذلك، أتساءل ماذا سيحدث بعد؟”
ساحة معركة مزدحمة
من الصعب التنبؤ بما سيحدث يومًا بعد يوم. الصراع عبر الحدود في سوريا يزداد تعقيدًا، والجماعات المسلّحة مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية تخوض معركة مع الجيش السوري وحزب الله المدعومين من إيران وروسيا. ولذلك، يمكن أن تؤدي حرب أخرى بين إسرائيل وحزب الله إلى انفجار يدمر المنطقة بأسرها.
وقال نيكولاس نوي، وهو محلل سياسي مقيم في بيروت: “إنّه صراع متعدد الأطراف حيث يمكنك العثور على مزيد من الأسلحة، والجهات الفاعلة غير العقلانية. ولكن عمل كل هذه العناصر عسكريًا في وقت واحد وعلى مفترق واحد من خطوط الصدع الأكثر خطورة في العالم هي فكرة سيئة حقًا.”
ومع ذلك، هناك آخرون يرون ضرورة وجود جهات تابعة للدولة، مثل الروس والإيرانيون، كرادع للحرب على جبهة الجولان.
وقالت رندا سليم، الخبير في معهد الشرق الأوسط: “حقيقة أن هناك الكثير من اللاعبين هي عامل رادع أكثر من مجرد حافز. ولا تريد روسيا ولا إيران اندلاع حب في الجنوب مع إسرائيل في الوقت الحالي.”
وترى سليم أنَّ إسرائيل تتطلع إلى حرب “نظيفة” مع حزب الله، وتحديدًا في لبنان، بدلًا من تعقيد ذلك من خلال إشراك جبهة سورية لبنانية على نطاق أوسع.
وتابعت رندا سليم: “اليوم، سيكون هناك حربًا متعددة ويمكن أن تكون فوضوية ومعقدة، مع إمكانية إعادة خلط التحالفات. “ولذلك، تريد إسرائيل الحفاظ على نظافة تلك الحرب بينها وبين حزب الله، وبالتالي الحفاظ عليها داخل لبنان.”
وأوضح مسؤولون وأعضاء من حزب الله أنهم يفضلون التزام الهدوء على الحدود، ولكن إذا دفعت إسرائيل الحزب إلى المواجهة “لن تبقى المقاومة داخل لبنان فقط. وقال أحد المصادر: “الحب القادمة لن تبدو مثل حرب عام 2006 على الإطلاق.”
فورين بوليسي: ترجمة إيوان24