سلط تقرير لمجلة «فورين أفيرز» الأضواء على موقف الأردن من الصراع السوري الحالي في ظل تدهور المعارضة في شمال سوريا، واستمرارها في الجنوب على حدود الأردن، مشيرا إلى أن موقف عمان على مدار تاريخها اتسم بالبرغماتية (النفعية) والبحث عن مصالحها وهو ما تفعله الآن أيضا.
وركز التقرير على أن الأردن تعاون مع «نظام الأسد» في مرحلة ما، ثم الخليج، وتعاون مع روسيا لتحديد مناطق في جنوب سوريا لضرب الثوار فيها، وحاليا تلتقي مصالحه مع واشنطن ويعمل كـ «شريك فعال» معها فيما يخص مستقبل سوريا.
وشددت المجلة على أن السياسة البراغماتية للأردن على مدار تاريخه قد ساهمت في دعم كل القوى العظمى لاقتصاد عمان الهش، وأن موقف الأردن الحذر بشأن أي قضية معينة يقدم لصناع السياسة الغربية فرصة لوضع السياسات المقترحة.
ونوه إلى أنه مع اقتراب المعارضة السورية المعتدلة من الانهيار في شمال غرب سوريا، وبروز الجبهة الجنوبية كموقع أكثر إغراء لمؤيدي تغيير النظام، يتوقع أن تتلقي العمليات العسكرية المناهضة للأسد دعما من القواعد الأردنية، لأن الأردن حليف قوي للولايات المتحدة، ولكن السؤال هو: هل هذا التعاون مع الولايات المتحدة سيصب في مصلحة الأردن أم لا؟
تاريخ البراغماتية الأردنية
ويستعرض الموقع سجل الأردن ما بين الأمن الخارجي، والسياسة الداخلية، والذي يعكس المرونة والبراغماتية، مشيرا لتاريخ الأردن في الاتصالات السرية مع (إسرائيل) في فترة الأربعينات، وتعاملها البراغماتي مع ظهور وتلاشي الأيديولوجيات والثورات.
ويشير التقرير إلى أن فقر الأردن نسبيًا وضعفه عسكريًا، جعله لا يضع الأيديولوجية أو أحلام التفوق الإقليمي في سياسته الخارجية، وإنما ركز على البقاء، حيث يبحث عن الاستقرار الداخلي والإقليمي.
ففي عام 1948، اعترف الملك «عبد الله الأول» بالفشل الوشيك للجهود العربية لمحو الدولة اليهودية الوليدة وقرر القيام بما هو أفضل من خلال تأمين مطالبات الأردن بشأن الانتداب على الأجزاء العربية من فلسطين عن طريق التواطؤ مع (إسرائيل).
ثم واصل حفيده الملك «حسين» الاتصالات السرية مع (إسرائيل)، بدعم من الولايات المتحدة، وتجنب الانخراط في حرب الأيام الستة عام 1967. وعندما اضطر إلى دخول الحرب متأثرا بظهور القومية العربية المناهضة للملكية.
وعندما خسرت الأردن الضفة الغربية وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، أدرك الأردن أهمية تجنب المغامرة ولجأ لمغازلة القوى العظمى وخاصة الولايات المتحدة.
واعتبر الملك «حسين» أن البراجماتية سوف تأتي بثمارها خلال صراع أيلول الأسود عام 1970، عندما تراجعت القوات السورية من الأراضي الأردنية بعد أن ناشد «حسين» بصورة غير مباشرة (إسرائيل) التدخل العسكري لدعمه.
والبراغماتية نفسها اتبعها الأردن مع العراق في حرب الخليج عام 1991، عندما وقف إلى جانب «صدام حسين» ضد قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، وحصل على دعم مالي سخي من «صدام» أسهم في تطوير البنية التحتية والتجارة الأردنية.
وفي عام 2003، عندما كانت الولايات المتحدة تستعد للإجهاز على نظام «صدام»، عاد ابن الملك «حسين»، الملك عبد الله الثاني، ليدعم غزو العراق.
أولويات واحدة
وحول التقاء المصالح الاردنية الأمريكية حول الوضع السوري الحالي، أشار تقرير «فورين أفيرز» إلى أن الأردن همه الأول حاليا هو الاستقرار الداخلي والإقليمي، وهو ما يتوافق مع الأهداف الأمريكية في المنطقة وهي: حماية الأمن الإسرائيلي، والاستقرار في أسعار النفط، ومكافحة الإرهاب.
وبحسب التقرير فإن الحرب الأهلية السورية تشكل أكبر تحد للاستقرار في الأردن منذ اندلاع صراع أيلول الأسود بين الملكية الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية. حيث تدفق ما يقرب من مليون لاجئ سوري قلبوا التوازن الديموغرافي الهش في المملكة، وأرهقوا البنية التحتية وموارد المياه المحدودة، وخلقوا مزيدًا من الضغوط على اقتصادها الراكد، كما أن الفوضى في سوريا انعكست علي زيادة أنشطة جماعات متشددة معادية على الحدود الشمالية للأردن، وصعود نشاط الحركة الجهادية السورية الذي يؤثر على الأردنيين الساخطين.
وتشير المجلة إلى أن الموقف الأردني قد جاء متذبذبا، ففي البداية، تصرف الأردن ضد «الأسد» لتهدئة حلفائه الأكثر تشددًا، ودفع ثمن علاقته مع دول الخليج، ثم سهل الأردن جهود وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والجهود السعودية لتدريب وتجهيز ما تبقى من المعارضة المعتدلة في جنوب سوريا، في سرية تامة وحذر.
ورغم إدانة حلفاء الأردن لتدخل روسيا ضد المعارضة السورية تحت ستار مكافحة تنظيم الدولة، لم تعارض المملكة الضربات الروسية، بل وأنشأ الأردن قناة للاتصالات السرية مع روسيا ووفر للروس تصنيفات لجماعات المعارضة السورية.
كما دعم الأردن تحالف مكافحة تنظيم الدولة لتهدئة مشاعر الرأي العام بعد قيام التنظيم بحرق الطيار الأردني «معاذ الكساسبة» في أوائل عام 2015، قبل أن يتوقف الأردن في فبراير/شباط 2015، عن المشاركة في الحملة الجوية.
ومع ثورة محافظة درعا مهد الثورة السورية في عام 2011 قدم الأردن، عبر جهاز مخابراته، الدعم للميليشيات القبلية المعتدلة التي يمكن أن تحل محل تراجع سلطة النظام، والتي اندمجت في النهاية تحت قيادة الجبهة الجنوبية، بهدف إنشاء ما يشبه حرس حدود يعمل كمنطقة عازلة ضد الجهاديين في الشمال والشرق.
ويشير التقرير إلى أن الأردن دعم التدخل الروسي في أكتوبر/تشرين الأول 2015 ضد المعارضة في سوريا، وأجري الملك ورئيس هيئة الأركان زيارات رفيعة المستوى إلى موسكو، وتأسست خلية سرية من المسؤولين الروس والأردنيين في عمان لتوجيه الضربات الجوية الروسية في جنوب سوريا.
الأغرب من ذلك، وفقا للمجلة، أن التعاون الأردني استمر مع نظام «بشار الأسد»، واستمر أفراد «نظام الأسد» في العمل بالسفارة السورية في عمان، وزار «علي المملوك»، واحد من كبار مستشاري «الأسد»، عمان لمناقشة ما يجري في جنوب سوريا، ما أظهر أن الأردن يستعد لعقد صفقة بتسليم أجزاء من محافظة درعا إلى «نظام الأسد»، وهو ما اعتبرته المعارضة خيانة لها.
لكن هذا لا يعني أن الأردن تخلى عن وكلائه المعارضين؛ فقد ظلوا أفضل البدائل القاتمة للفصائل الجهادية مثل حركة المثنى ولواء شهداء اليرموك، ولكنه أوضح لهم أن لديه خيارات أخرى، ويجب عليهم قبول الوضع الراهن.
وأطاع الوكلاء الأوامر الأردنية مرغمين، وأوقفت الجبهة الجنوبية العمليات الهجومية ضد «نظام الأسد» وركزت على تعزيز المناطق الخاضعة لسيطرتها في ريف درعا ومحاربة تنظيم الدولة، ويجري حديث عن تنسيق أردني لاعتبار الجبهة الجنوبية «قوة ثورية»، وعقد تسوية بينهم وبين نظام «الأسد» مستقبلا.
مركز الشرق العربي