“دعاء النجار” (٣٠عاما) تروي لنا ماحدث معها:” أشبعوني ضربا وإهانات لاكتشافهم قطعة شوكولا ورغيف خبز لولدي الجائع.”
تحاصر قوات النظام معضمية الشام منذ 3 سنوات، وبين فترة وأخرى يسمح بدخول بعض المواد بشكل خفيف ضمن هدن مزعومة مقابل تسليم السلاح، ولكن سرعان ما يعود الحصار من جديد.
وضمن إحدى الهدن ومقابل تسليم قطع السلاح سمح بدخول وخروج الطلاب والموظفين وبعض الحالات المرضية، و يخضعون لتفتيش كامل فكانت غرفة التفتيش مأساة لأهل المدينة ومكان إذلال الرجال والنساء والأطفال، فمن الكلام البذيء إلى الضرب وربما الاعتقال عدا عن الوقوف ساعات طويلة.
تقول دعاء بحرقة ظاهرة ” كان علي الوقوف لما يقارب (٣-٤) ساعات بعد العودة من عملي ليأتي دوري بالتفتيش البعيد عن الحياء كل البعد، لم يكن لديّ طعام، غامرت بإحضار قطعة شوكولا ورغيف خبز لولدي الجائع وأخفيته في ملابسي دخلت وأنا أرتجف وأتصبب عرقاً من الخوف، كان التفتيش دقيقا مع خلع الملابس الخارجية وأحيانا الحجاب، اكتشفت (لميس و هي البنت لي عم تفتشنا) أمري، صفعتني على وجهي وركلتني وقالت:” يا حيوانة عم تخبي الخبز بجسمك مو حرام عليكي يا جوعانة، رددت ( دعاء) بحرقة( على أساس بيعرفوا الحلال من الحرام) .
تابعت:” ترجيتا أنو تتركلي رغيف الخبز وأنا حاسة الذل لأني عم أترجاها بس معلش كرمال طعمي ابني) رشقتني بكلام مهين و قالت( انقلعي أحسن ما اعتقلك).
وعند سؤالي لماذا الوقوف لساعات طويلة هل عددكم كبير؟
يجيب “جمال محمد”( ٢٣عام) طالب جامعي بقوله ” يا أخي نحنا كم واحد عددنا مو كبير ، بس يا عم يطقو حنك ويتسلوا بإذلالنا، يا عم ياكلوا ويشربوا مته، بقى ليجي على بالن”.
يتابع مضيفا “كنت أقف أنتظر دوري وأنا أخفي في حذائي دواء الضغط لأمي، ويكاد الخوف يسيطر عليّ خوفاً من أخذ الدواء مني، مضت لحظات أحسستها سنوات لأنهم كانوا أحيانا يطلبون منا خلع أحذيتنا، قال المفتش : تعا يا عرعوري، شو معك أحكي قبل ما فتشك، (قلتلوا باكيت دخان) وكنت قد جلبته تمويه (مشان يلتهى فيه وأنفد بالدوا وعم قول يارب ياخدوا و يتركني روح و ما تركت دعاء و ما دعيتو ) قال لي: هاتو وانقلع ولا بقى تعيدا صاحب مزاج يا حيوان، ( فرحت ودمعت عيوني رغم الإهانات والذل بس لأني قدرت جيب الدوا”.
“أمل صالح”(٢٦عاما) حالة إسعافية، تحدثنا عن تجربتها و معاتاتها مع هذا التفتيش الهمجي الممنهج بقولها”خرجت للولادة وعند عودتي بعد 5 أيام وقفت بانتظار دوري مثل الآخرين وأنا أحمل رضيعي تحت أشعة الشمس ولا مكان للجلوس، بعد ساعتين و نصف تقريبا دخلت وأنا أحمل رضيعي وأرتجف خوفا وتعبا فلم أعد قادرة على الوقوف، قالت لي ( عائدة وهي من المفتشات أيضا كانوا 4 لأنو) جبتي بنت ولا صبي، قلتلا: صبي، عصبت وصرخت وقالت إرهابي يعني، وأخذوا بتفتيشي بدقة وأنا منهكة من التعب، وجاء دور رضيعي (أخدتو وصارت تفتشو و كأنو ماسكة شي حديدة وفكتلو الحفوضة بهمجية،خايفة يكون فيا دولارات، وأنا على أعصابي خوف على طفلي ودمي عم يحترق حرق ما بدي ياهن يقربو عليه، معلش يضربوني ويهينوني بس ما يقربو على ابني، عشت احساس بشع كتير وغصب عني بدي ابتسم وسايرن كمان، وما سمحولي دخل لوازم أساسية لطفلي من ( حليب ، حفوضات، أدوية……) وصادروهم.
وهنا نتساءل هل هذا تفتيش أم إذلال ؟ هل رغيف الخبز جريمة تستحق العقوبة؟ وما هذه الكائنات التي لا ترحم حتى الرضع؟ فلا عجب أن يحدث أكثر من ذلك في مثل هذا البلد الذي تحكمه قوات متجردة من الإنسانية يكاد الحجر يرق وقلوبهم المسماة بالقلوب لا تلين.
المركز الصحفي السوري __حنين حمادة.