لحظة إعلان إنهاء الغارة الجوية هي أسعد اللحظات التي ينتظرها الطفل “عادل” الذي لم يكمل أعوامه العشرة بعد، لتبدأ رحلة استنشاق الهواء من فوق الأرض تاركاً المغارة التي حفرها الأب اليائس مع بعض الأصدقاء لتكون مأوى العائلة من شراسة الطيران وظلم الجاني.
في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، اختار الناس الحياة في كهوف وملاجئ تحت الأرض على حياة النزوح والتشرد بعد أن قصفت قوات النظام بيوتهم وأحياءهم السكنية، وحولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق
عداك عن حرمانهم أيضاً من موارد المعيشة والكسب ليدخلوا في حصار الجوع أو الركوع.
خرج الصغير وبيده كرة قدم بالية حصل عليها عن طريق الصدفة تحت رمال منزل عانقت أسقفه الأرض، وبيديه الصغيرتين أشار لأخيه الصغير وابن الجيران في الكهف المشترك للمشاركة في اللعب قبل أن يعاود الطيران القصف من جديد
قائلاً بكلماته المتلعثمة “أسرعوا خلينا نحرك أجسامنا ونشم شوية هوا.. والله الحياة فوق الأرض حلوي كتيير..في سما زرقا وأشعة شمس.. آه ياريت تنحرق خدودي وتحولن للون البني”.
بضحكة بريئة علت من ثغر “همام” ابن الجيران المشاكس (كما يصفه أقرانه) في الحي تحت الأرض ودمدمة السخرية قائلاً “قال بدو الشمس تلون خدوده.. في البداية ادعي لربك ما تطلع الطيارة ونلحق نتخبا ونهرب من الموت.. السلامة أول وبعدين الأمنيات”
لم تكن ببعيدة شوارع مدينة دمشق التي تعلو فيها أصوات السيارات من تلك المنازل المظلمة، حيث تشعر وكأنك في عالم آخر، ولا حاجة للعيش تحت الأرض وكأنك في بلد ترسم حدوده وطريقة الحياة فيه بمدى الولاء للنظام الحاكم، أما في شمال سوريا حيث رفضت العديد من العائلات في حماه ترك بلداتهم ومزارعهم التي ينهال عليها طيران النظام بالقصف.
حفروا منازل لهم تحت الأرض، وربما الوصف الأكثر صحة (جحور للاختباء) لتتحول المغاور والجحور الجديدة إلى ملجأ لكثير من العائلات البائسة في الشمال السوري التي باتت تقضي معظم وقتها في تلك المساكن، وبالطبع لا تجرؤ أن تخرج منها إلا بعد الاطمئنان على أن الطيران غادر الأجواء، مستعينين بالقبضات والمراصد التي تزودهم بالمعلومات عن حركة الطائرات العسكرية.
مضت الساعات وكأنها لحظات، ليسمع “عادل” صراخ أمه الخائفة تناديه “الطيران أقلع” مشيرة بكلماتها لضرورة العودة للملاجئ الأرضية
بخطوة متثاقلة توجه الأطفال بخطوات تارة للأمام وتارة للخلف وفي داخلهم حقيقة ترفض الواقع وتبحث عن المستقبل المجهول وعن حياة تعيد لهم “حق الطفولة”.
يعود “عادل” على أمل انتهاء الغارة ويمسك بيديه الصغيرتين بقوة تلك الكرة التي سقطت تحت قدميه مراراَ كما سقطت تحتها من قبل أقنعة الغرب بعد عجزهم عن تحرير الصمت القاتل.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد