على مدار السنوات التسع الماضية من الصراع كان لميليشيا أسد دور فعال في ضمان بقاء نظام بشار أسد، ليس بسبب أدائها في ساحة المعركة بل بسبب ولائها المستمر.
على عكس جيوش الدول الأخرى التي واجهت التحديات ضد الأنظمة الحاكمة مع انتفاضات الربيع العربي عام 2011، حافظت القوات المسلحة السورية على ولائها المؤسسي. منذ أن استولت عائلة أسد على السلطة في السبعينيات، خضع الجيش لتغييرات هيكلية، من خلال آليات السيطرة وفرض هيمنة الأقلية العلوية، ضمن الولاء للنظام ودعم الدور المركزي للجيش في ديمومة النظام الاستبدادي في سوريا.
ومع ذلك، فقد أثر الصراع الحالي حقاً على تكوين نظام أسد وكذلك على هيكل وتوجه مؤسسته العسكرية، بحسب تقرير للمجلس الأطلسي، مما وضع ولاءها موضع تساؤل. أصبحت القوات المسلحة السورية اليوم مجزأة، وصنع القرار محل نزاع وأصبحت لا مركزية بشكل متزايد، واتسعت دائرة الولاء بطريقة غير مسبوقة. علاوة على ذلك، أدى تعدد الجهات الأمنية والتدخل الأجنبي الراسخ إلى تعقيد الوضع الهش لقطاع الأمن والدفاع السوري، مما جعل العلاقات المدنية العسكرية أقل قابلية للتنبؤ وأكثر عرضة لتحدي النظام.
“الجيش السوري” قبل 2011
قبل مناقشة التغييرات، يجب على المرء أن يفهم القوة العسكرية لنظام أسد قبل عام 2011. عندما تولى حافظ أسد السلطة في عام 1970، كانت العلاقات المدنية- العسكرية في سوريا بالفعل في درجة حادة من عدم التوازن، حيث كان للجيش توجه سياسي قوي وسلطة كبيرة. عند بناء نظامه، كان أسد قادراً على إنهاء قدرة الجيش على التحريض على تغيير النظام من خلال الانقلاب. لكنه لم يفعل ذلك من خلال إنهاء دوره السياسي، ولكن بتدجين المؤسسة العسكرية بحيث تشكل العمود الفقري لهيكل سلطة النظام. وهكذا، خضعت القوات المسلحة لتحول جذري في عهد حافظ أسد، حيث غيرت طابعها من قوة تاريخية تتحدى النظام إلى ركيزة لأمن النظام. بدأ دور الجيش لدعم حكم أسد البعثي وتأمين السيطرة التامة لعائلته على هياكل السلطة في الدولة.
لإعادة ترتيب الجيش بما يتناسب مع أهداف نظامه وسع حافظ حجمه بشكل كبير. ارتفع العدد الإجمالي لأفراد القوات المسلحة العاملين النشطين بنحو 162بالمائة% في السنوات العشر الأولى من حكمه وبحوالي 264% عند وفاته في عام 2000، وفقاً لتقديرات أعدها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. كما فرض الأسد تسلسلاً قيادياً موازياً وتفويضات متداخلة وفائضاً مؤسسياً على التشكيلات العسكرية الرئيسية. وبهذه الطريقة، تم تصميم مختلف أجهزة النظام القمعي بعدة طبقات من الولاء للتنافس من أجل بقاء النظام.
بالإضافة إلى ذلك استفاد أسد من حالة الانقسام الشديد في المجتمع السوري. حيث زاد عدد ودور الأقلية العلوية التي تنتمي إليها الجذور الاجتماعية والدينية لعائلة أسد. أدرك حافظ وبعد ذلك بشار الأسد التأثير الذي يمكن أن يحدثه التضمين العرقي في الجيش على الولاء بين صفوفه. نتيجة لذلك، كان العلويون ممثلين بشكل غير متناسب في القوات المسلحة وقطاع الأمن الأوسع. في حين أن هذا شكل مشكلة شرعية فيما يتعلق بنظرة الجمهور إلى طبيعة الدفاع الوطني للجيش، فقد أنتج أيضاً حلقة مؤسسية من الخوف وانعدام الثقة في المجتمع السوري والتي لم تزود نظام أسد فقط بمجموعة موالية ومهيمنة في الجيش، ولكن هذا جعل العلويين يعتمدون على النظام في دولة معادية ومنقسمة بشدة. عندما عزز نظام أسد قوته، أصبحت المهمة الرئيسية للجيش واضحة: تأمين استمرارية النظام فوق كل اعتبارات الدفاع والأمن الوطني.
ميليشيا متجزئة وتغلغل خارجي
قبل عام 2011، واجه نظام أسد تحديات داخلية هائلة، مثل تمرد الإخوان المسلمين في حماة عام 1982 ومحاولة الانقلاب الفاشلة لرفعت أسد في عام 1984، والتي لعب فيها الجيش دوراً مركزياً في صده. ومع ذلك، لم يكن أي منها مثل التحدي المستمر الذي بدأ في عام 2011، والذي أجبر بشار على إعادة الترتيب والتنازل عن بعض السيادة على هياكل السلطة الرئيسية للحفاظ على بقاء النظام. في حين أن الهياكل التي صممها حافظ أثبتت فائدتها في الوقوف ضد الاستياء العام على نطاق واسع في السنوات القليلة الأولى من الثورة، فإن زيادة قدرة تشكيلات الثوار الرئيسية وما يترتب على ذلك من عدم فعالية في ساحة المعركة لجيش أسد أدى إلى التوسع غير المقصود لقوات الأمن المحلية واستيراد القوات الأجنبية من روسيا وإيران.
ثبت اليوم أن هذا يمثل نمواً مضطرباً في المؤسسة العسكرية السورية، مما تسبب في معضلات الولاء، وتنويع مصادر التمويل، والانقسام الإقليمي والأيديولوجي، وعمليات صنع القرار الموازية، والاعتماد على الرعاة الأجانب.
للتكيف مع ديناميكيات الصراع المتطورة، ظهر مشهد من الميليشيات غير المنظمة والقوات شبه العسكرية ذات مصادر التمويل المختلفة ونطاقات المشاركة، خاصة بعد 2013 بالمرسوم التشريعي 55 ، لتكملة (الجيش السوري). في حين تم إضفاء الطابع المؤسسي على بعض الميليشيات، مثل قوات “الدفاع الوطني” في الجيش النظامي كقوة مساعدة، لا تزال العديد من الميليشيات الموالية للنظام في منطقة عملياتية وقانونية رمادية تعتمد على الشكل الذي سيبدو عليه هيكل ما بعد الحرب. كما تتلقى بعض الميليشيات تمويلاً من رجال أعمال مشبوهين موالين للنظام، في حين يتم تمويل البعض الآخر حصرياً من قبل جهات أجنبية مثل إيران وروسيا.
مع قيام بعض هذه الميليشيات بأدوار أمنية محلية أصبحت أنماط تجنيدها مجزأة على أسس إقليمية ودينية وأيديولوجية، مما قد يشير إلى تنامي الاستقلالية المحلية ودائرة الولاء الموسعة، فضلاً عن عدم الاتساق الأمني والدفاعي.
نقلا عن اورينت نت