على المستوى النظري وحسب خطط استراتيجية وضعت للمنطقة في أوقات سابقة يبدو أنه لا حل للأزمة السورية على المدى المنظور والإبقاء على معادلة لا حسم عسكري ولا حل سياسي.
فهناك ملفات عديدة مرتبطة بالملف السوري ومعالجتها سيستغرق وقتا طويلاً ولقد عبر عن ذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه الأخير عندما قال ان نزاعات الشرق الأوسط ستستمر لأجيال.
كما أنه على مدى خمس سنوات من نزيف الدم لم يتخذ المجتمع الدولي اي خطوة عملية على طريق الحل. وجميع القرارات الأممية والمبادرات الدولية التي صدرت منذ بداية الثورة حتى صدور القرار رقم 2254 ركزت على جوانب محددة جانبية مثل القرار 2042 و 2043 للعام 2012 والتي ركزت على جانب الإغاثة وأمور إنسانية والقرار 2139 المتعلق بمواجهة الكارثة وتقديم الدعم للمعوزين والقرار رقم 2118 للعام 2013 الذي كان مخصصا للتخلص من أسلحة النظام الكيمياوية.
وما نراه أن الدول ذات الصلة بما يجري تسعى لتوفيق أوضاعها وفقاً لتوجهات بعضهم البعض ويجري توظيف مايجري في سورية لخدمة أجندات تشكلت لعدد منها في ظل تشدد سياسي مما جعل الرؤى غامضة وبدأنا نشعر أن الثقة معدومة بين هذه الدول والفهم ضائع والود غائب والمسافة بينهم بعيدة والفجوة واسعة مما يضع علامات استفهام على ديمقراطية العلاقات الدولية والتفاهم بين هذه الدول كما أن الشفافية في التعامل لم يعد لها وجود وحل بديلا عنها الازدواجية الواضحة والانحياز الكامل لطرف على حساب الآخر وطغيان الاعتبارات السياسية على القرارات الدولية بل على القوانين الإنسانية والأخلاقية.
الضحية الشعب السوري الذي يعاني وبشكل يومي حيث القتل والتدمير والتهجير والموت جوعا. وأصبحنا ندرك أن المسألة السورية ليست وليدة لأحداث معينة أو محددة وإنما محصلة لأحداث عالمية متعددة ريما تؤدي إلى ترتيبات دولية وإقليمية جديدة تحتاج لوقت طويل دون أي تخوف من الأطراف الدولية المتصارعة لأن طاحونة القتل والدمار تدور على حساب الآخرين.
ومن المؤشرات التي تجعل الحل بعيد المنال :
1- عدم اتفاق الأطراف الدولية ذات الصلة بالأزمة السورية على أساس واضح للحل
2- تدخل روسيا بكل ثقلها السياسي والعسكري مما أثر على توازن القوى وجعل النظام ومؤيدوه أكثر تعنتا في القبول باي تسوية سياسية
3- قناعة بعض الدول بأنه بالإمكان الاستفادة من النظام في محاربة داعش والفصائل المتطرفة على الرغم انه ثبت وبالادلة القاطعة علاقة نظام الأسد بداعش.
4- مصلحة إسرائيل في استمرار الأزمة السورية من ناحية لتحويل سورية إلى دولة فاشلة ومن ناحية أخرى قناعتها بأن أي نظام جديد لن يكون بالنسبة لها أفضل من نظام الأسد الذي تربطهم به علاقة ثبت بأنها تاريخية
5- الدور الإيراني والميليشيات الملحقة به وأهدافها في المنطقة التي عبر عنها العميد حسين حمداني نائب قائد الحرس الثوري الإيراني عندما قال ان حدود إيران أصبحت جنوب لبنان وان الأسد يخوض الحرب بالنيابة عنا أو هو نائبنا في سورية. كذلك تصريحات على أكبر ولايتي عندما قال اننا ندافع عن حقوقنا القومية. وبشكل عام تعتبر إيران السيطرة على سورية خط الدفاع الأول عن مصالحها الاستراتيجية ونفوذها الإقليمي مما عقد أمور التوصل لأي تسوية سياسية.
6- بالنسبة للغرب اعتقد انه ليس له حوافز كبيرة ولا مصالح تستدعي دعمه للثورة السورية بل ربما لديه مخاوف من انتصار ثورة الشعب لذلك ابتعدوا عن المواجه المباشرة وما القرار رقم 2118 إلا تكريس للتفاهم الروسي الأمريكي. واكتفوا ببعض الضغوط الاقتصادية والسياسية ودعم محدود جدا للمعارضة واتباع سياسة مترددة. إضافة لقناعتهم بأن استمرارية الأزمة يؤدي إلى استنزاف طاقات إيران العسكرية و الاقتصادية ويؤلب قسماً كبيراً من العرب والمسلمين ضدها وبالتالي ضرب طوقا من العزلة على إيران وحلفاؤها .
7- ومن الأسباب أيضا استفحال الصراعات المحلية والتدخلات العسكريه والإقليمية والدولية.
أما على المستوى العملي :
تبدو فرص الحل قد تجاوزت حيز الأحلام إلى حيز الواقع وبدأت تلوح في الأفق ملامح التسوية السياسية وذلك بصدور القرار الأممي رقم 2254 وهو أول قرار سياسي يتناول حل المسألة السورية بشكل مباشر وتبدو الآن التحركات السياسية بهذا الشأن أكثر نشاطا وجدية من أي وقت مضى ويبدو اننا الآن على عتبة الانتقال من مرحلة الستايتكو المحدد إلى مرحلة بدء تحريك الحلول ومحاولات جادة لوقف هذه الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية والمؤشرات عديدة منها :
1- التفاهمات الدولية وانفتاح بعض الدول على بعضها كالانفتاح السعودي على موسكو.
2- زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى موسكو في 15 كانون 2015 واعلانهما على أن الزيارة كانت إيجابية وهناك اتفاق على تسوية سياسية للأزمة السورية.
3- تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى وسيط بين الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع.
4- التفاهمات الأمريكية الروسية الصينية.
5- الدعم الدولي الواسع لمهمة المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا حيث تفاهم الروس والامريكيين والأوروبيين على دعم مبادرته.
6- اقرار خريطة طريق للحل وفق جدول زمني يمتد إلى ثلاثة مراحل متتابعة.
7- اجتماع أطراف المعارضة السورية في الرياض يومي 8_9 2015 واتفاقهم على نقاط مهمة مقبولة دولياً ومما زاد في أهميته انه جاء بدعم وتكليف دولي ونجحت في الخروج برؤية سياسية موحدة.
8- اتفاق المعارضة على تشكيل الوفد المفاوض.
9- موافقة النظام الجلوس إلى مائدة المفاوضات.
وغير ذلك من المؤشرات المبشرة بالخير. بشكل عام أستطيع القول أن المتتبع للشأن السوري يدرك تماماً أن حراكا بدأ يتشكل على المستوى الإقليمي والدولي وان كثيراً من الحلول والمبادرات أصبحت مطروحة.
والسؤال ماالاسباب الدافعة والكامنة وراء هذا التحول باتجاه التسوية السياسية للأزمة السورية ومحاولة انهائها؟
أستطيع أن أجمل هذه الأسباب بما يلي :
1- الخوف من خروج داعش عن سيطرتهم
2- الخوف من تحول سورية إلى مفرخة للجهاديين وما زالت أفغانستان في الذاكرة.
3- زيادة أعداد اللاجئين السوريين وما يخلفه من تبعات وانعكاسات على الدول الأوربية
4- خلل في التوازنات الدولية أهمه التقارب السعودي الروسي والتقارب الأمريكي الإيراني والاتفاق الأمريكي التركي في 23 تموز 2015 القاضي بانضمام أنقرة للتحالف الدولي الإقليمي ضد داعش وانضمام دول جديدة إلى الطرف السلمي في المعادلة التي اوجدها التحالف الأمريكي الأوروبي الخليجي. أي أن عوامل التسوية السياسية للأزمة السورية تأتي من محصلات ونتائج توازن دولي واقليمي.
5- الخوف من امتداد هذه الأزمة إلى العديد من دول العالم خاصة بعد وقوع العديد من الهجمات الإرهابية في عدد من عواصم العالم.
6- الخوف من انتشار الصراع ولحؤ اي من الأطراف المتحاربة إلى تصدير الأزمة.
7- ليونة الموقف الروسي من قضية بقاء الأسد وإعلانها عن الاستعداد للتفاوض بشأن سيناريو ما بعد الأسد.
8- توحيد المعارضة.
9- ترحيب المعارضة سواء الداخلية أو الخارجية وبكافة اطيافها باي جهد سلمي لإنهاء الأزمة.
10- الواقع على الأرض حيث لم يستطع اي من الطرفين المعارضة والنظام هزيمة الآخر.
11- استمرارية الحرب سيؤدي إلى اشتداد الأزمة بين الغرب من جهة وبين موسكو وطهران.
12- مخاوف الغرب من زيادة نفوذ الجماعات المسلحة المتطرفة وانتشارها إلى أمريكا ودول الغرب
13- الخوف من مخاطر حرب إقليمية تشترك بها إسرائيل وتؤدي إلى تورط حلف الناتو.
وفي النهاية أستطيع القول إن الطريق لا تزال طويلة لأن قرار الحرب يمكن اتخاذه في لحظة بينما تحتاج رؤية السلام إلى مساحة زمنية تنشأ فيها جسور الثقة المفقودة وتهدا معها النفوس القلقة.
الهيئة السورية للإعلام: نصر الفروان