العالم الإسلامي عموما، الآن أصبح في رهان الدول العظمى وأوروبا وفي تفكك تام، أكثر من أي وقت مضى، الدول الإسلامية الموجودة ماعدا تركيا ليس بمقدورها أن تلعب دورا استراتيجيا ومركزيا في ردع الفيضانات السياسية التي تمر بها المنطقة بمفردها.
فمثلا مصر، بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013 وسيادة العسكر، الآن فى أوج الضعف السياسي الداخلي والخارجي وتعيش في مأساة اقتصادية وتعتمد على المعونات الخليجية والأمريكية وكل يوم تزداد احتمالات الانفجار السياسي الشعبي، أما السعودية ودول الخليج، محاطة بمختلف المشكلات والصراعات وخصوصا المد الإيراني في منطقة نفوذهم وكذلك دول أخرى مثل العراق وإيران وباكستان وسوريا فلهم حكاية أخرى.
بعد نهاية الإمبراطورية العثمانية، بعض الدول الإسلامية والعربية حاولت تجربة قيادة وريادة الدول الإسلامية أو على الأقل أن تكون مركزا حقيقيا، ولكن حتى الآن فشلوا في تحقيقها وأستطيع أن أقول فى الوقت الحاضرلم تكن لدى أية دولة إسلامية قوة كافية ولا اقتصاد قوي للاضطلاع بهذا الدور، لكي تصبح مقبولة من الدول الإسلامية والمجتمعات غير الإسلامية وغير العربية في العالم الإسلامي.
فتركيا الآن أكثر من أي وقت مضى وحدها هي المؤهلة لريادة العالم الإسلامي، مرشحة لتصبح مركزا فى ريادة دول المنطقة خصوصا والعالم الإسلامي عموما، بموقعها الجغرافي المتفرد فى وسط العالم، تعتبر جسرًا بين الشرق والغرب وبين أهم ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا وهي القارات الغنية بالموارد والثروات الطبيعية والزراعية، فالموانع التي تمنع تركيا من الصدارة والتحول إلى دولة المركز في العالم الإسلامي تتلاشى يوما بعد يوم و يبدو أن الأتراك أنفسهم مستعدون إلى صدارة العالم الإسلامي بجدارة.
تركيا داخليا
فشلُ الانقلاب العسكري في تركيا وبعد نجاح التعديلات الدستورية أعطى السلطة السياسية فى تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان دفعة معنوية هائلة وكذلك فرصة سياسية لتثبيت أركان دولته الجديدة يوما بعد يوم، وسيعزز الاستقرار السياسي، لا سيما أن معارضي حزب العدالة والتنمية منقسمون وليسوا فى خندق واحد، والذي يدير الدولة العميقة من الخارج، أصبح الآن في أضعف حالاته.
فالاقتصاد التركي بعد الاستفتاء شهد انتعاشا ولوكان نسبيا.
تركيا والعالم الإسلامي
بعد أقل من شهر ونجاح التعديل الدستوري، انطلقت في العاصمة التركية أنقرة فعاليات “ذئب الصحراء” التي تجمع عناصر من القوات البرية السعودية ونظيرتها التركية، ويأتي هذا التدريب ضمن التعاون العسكري بين السعودية وتركيا، كما يأتي بعد أقل من شهرين من الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية منتصف شباط/ فبراير الماضي.
وتنامت العلاقات التركية مع قطر والسعودية مؤخرا بشكل متسارع، في ظل تطابق رؤى ومواقف الجانبين في عدد من القضايا الإقليمية والدولية.
في هذه الأيام صرح مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي “إن تركيا ترى أمن واستقرار دول الخليج وعلى رأسها السعودية، من أمنها وسلامتها وكذلك الأمة الإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية”.
كما تدعم أنقرة التحالف العسكري العربي، الذي تقوده الرياض منذ 26 مارس/ آذار 2015، لدعم الشرعية في اليمن.
وكذلك تعتبر تركيا ملاذا آمنا لقيادات الحركات الإسلامية الفاعلة فى العالم الإسلامي، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وكذلك لها نفوذ في كل من ليبيا وتونس وفلسطين والمغرب بسبب علاقتها مع الأحزاب الإسلامية الفعالة هناك.
السعودية على رأس الدول التي دعمت الشعب التركي وحكومته المنتخبة ديمقراطيا، في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها تركيا منتصف يوليو الماضي، إذ أعلنت الرياض رفضها لمحاولة الانقلاب، وهنأ الملك سلمان الرئيس أردوغان بـ”عودة الأمور إلى نصابها في تركيا”.
وقام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بجولة منذ أشهر شملت البحرين والسعودية وقطر بهدف الحفاظ على علاقات طيبة، فيما تصاعدت معدلات التبادل التجاري، ووصلت إلى 20 مليار دولار مع السعودية، كما حقق التبادل التجاري مع الإمارات مستويات متقدمة حيث بلغ إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين في نهاية عام 2015، نحو 7.4 بليون دولار، شاملة المناطق الحرة.
وبلغ معدل التبادل التجاري نحو 700 مليون دولار مع قطر مقابل 600 مليون دولار مع الكويت ونحو 350 مليون دولار مع البحرين.
أما فى العراق يتنامى النفوذ السياسي والاقتصادي لتركيا يوما بعد يوم بدءا من إقليم كردستان وانتهاء بالمحافظات االعراقية الأخرى وبالأخص علاقات استراتيجية واقتصادية مع إقليم كردستان.
أما فى سوريا فمنذ بدء الثورة السلمية قبل السنوات، تعتبر تركيا لاعبا أساسيا فى القضية، أما بعد الاستفتاء فتركيا قررت تغيير قواعد اللعبة والبدء بشن هجوم مباغت على مواقع حزب العمال الكردستانى والفصائل الموالية له فى العراق و سوريا.
تركيا وأوروبا
أصبحت تركيا بعد العهد العثماني بسبب السياسات الأتاتوركية تابعة للعالم الغربي في سياساتها بل في عاداتها وتقاليدها، وفرضت الأيديولوجية العلمانية فيها، ولكن بعد عهد أردوغان قرر تعريف علاقتها مع الاتحاد الأوروبي من جديد من منطلق موازين القوى الجديدة، فبعد انتكاس العلاقات بين الطرفين بخصوص ملف الانضمام للاتحاد، وأخيرا قرر الاتحاد الاوروبي الاعتراف بنتيجة الاستفتاء الدستوري على لسان مسؤولة الشؤون الخارجية وسياسة الأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، قائلة إن “الاتحاد يعترف بنتائج الاستفتاء التركي انطلاقا من اهتمامه باستقرار الجارة تركيا”.
تزامنا مع تصريحات موغريني، فقد حذر وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل، من وقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بالقول إن “الحكومة الألمانية تعارض معارضة شديدة وقف مفاوضات الانضمام”.
تركيا فى الصعيد الدولي
تركيا الآن تتعامل مع الأخرين كقوة استراتيجية فى تحالفاتها الدولية، وبالأخص القطبين الولايات المتحدة ورِوسيا، كلاهما بحاجة إليها فى تحقيق حلمهم ومصالحهم ولذلك من المقرر أن يجتمع الرئيس التركي مع أهم زعماء العالم في الهند وروسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية وبروكسل.
د.أركان منوجر – ترك برس