يعرف كيري -كما يعرف الروس- بأن تحقيق التوافق مع قاتل وحشي متشبث بالسلطة أمر مستحيل. فهل يمكن من منظور روسيا تحييد الأسد دون أن تبدو أنها ترضخ لما تدعي أنه حملة أمريكية لتغيير الأنظمة، وهل تستطيع أن تلزم الأسد بتفويض وفده بإجراء مفاوضات بنية حسنة ثم بالتنحي عند وصول المحادثات إلى تسوية؟
فردريك هوف-المجلس الأطلنطي: ترجمة مرقاب
دون أن نقلل من شأن الخلافات بين واشنطن وموسكو بخصوص سوريا، نقول إن هناك اتفاقاً بينهما من حيث المبدأ على ثلاثة نقاط رئيسية: أولاً وجوب تركيز مفاوضات السلام السورية في جنيف على الانتقال السياسي الذي أقرت به الأمم المتحدة والذي يؤدي إلى تحقيق الديمقراطية والتعددية، وثانياً “وقف الأعمال العدائية” في غرب سوريا الذي لإطلاق المفاوضات، وأخيراً إيصال المعونات الإنسانية إلى من يحتاجها من السوريين. وحتى الآن، يرفض بشار الأسد تطبيق كل ذلك.
فالأسد يرفض الأساس الذي تقوم عليه مفاوضات السلام: وهو الانتقال السياسي الذي تقوده حكومة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، كما ورد في البيان الختامي لمحادثات جنيف 30 يونيو 2012 (الذي وافق الأعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الأمن الدولي عليه). وأهم بنوده هو التحول السياسي من النظام الحالي لسوريا إلى الديمقراطية والتعددية.
يرى بشار الأسد في وقف الأعمال العدائية تهديدا لعائلته وحاشيته الذين يعتبرون سوريا مزرعة خاصة لهم. وهذا ما أثبتته خمس سنوات مضت من الفظائع التي ارتكبها النظام وهو يقصف المدنيين بكل وحشية لأن أكثر ما يخشاه بشار الأسد هو ترسخ مؤسسات الحكم المدني، وهو يفعل ذلك دون الخشية من أي عقاب بعدما رأى أن الغرب لم يحمي أحداً من هجماته، وأن موسكو وطهران لن تحتجا على هذا القتل الجماعي. وفيما يتعلق بالحاجة الماسة للمعونات الإنسانية فالنظام لا يتعاون مع الأمم المتحدة بشأنها رغم السخط الدولي.
لايمكن اتهام وزير الخارجية جون كيري بأنه لا يبذل قصارى جهده في رفع أو تصحيح الحالة المروعة، لكن الكلام لا يكفي. فهو يحاول إقناع موسكو لدفع الأسد إلى عملية تنتهي بتشكيل هيئة إدارة انتقالية قادرة على توحيد السوريين ضد تنظيم الدولة الإسلامية والقضاء عليه، الذي ما يزال يمثل أولوية إدارة أوباما العليا في سوريا.
يعرف كيري -كما يعرف الروس- بأن تحقيق التوافق مع قاتل وحشي متشبث بالسلطة أمر مستحيل. فهل يمكن من منظور روسيا تحييد الأسد دون أن تبدو أنها ترضخ لما تدعي أنه حملة أمريكية لتغيير الأنظمة، وهل تستطيع أن تلزم الأسد بتفويض وفده بإجراء مفاوضات بنية حسنة ثم بالتنحي عند وصول المحادثات إلى تسوية؟
يفترض مثالياً أن الولايات المتحدة وحلفاءها باتوا الآن يدركون تماماً ليس قدرات روسيا فحسب بل ونواياها أيضاً. فهل تحدي الأسد للمجتمع الدولي ينطبق على روسيا أيضاً؟ أم أن روسيا لا مشكلة لديها مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها عميلها؟ وإذا لم تكن موسكو مرتاحة لما يقوم به الأسد، فماذا يترتب عليها القيام به حيال ذلك؟ فهي بالتأكيد قادرة على التشاور مع كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين السوريين. باختصار لدى روسيا الوسائل لكي تفهم النخبة في النظام السوري أن بقاء الأسد بات عبءاً لا يمكن تحمله.
يعتقد الأسد نفسه مركز الكون: وأن الروس مثل الإيرانيين بحاجة إليه أكثر بكثير مما هو بحاجة إليهم، وأنهما تدعمانه لمصالحهما الخاصة وأنهما لا يملكان خيارا آخر. فإذا كان قادة الغرب يعتقدون أن تقدير الأسد للأمور صحيح، فهل يمضون وراء روسيا في طريق لا جدوى منه؟ وهل سيبقون دون إستراتيجية محددة لحماية المدنيين في غرب سوريا والقضاء على داعش في شرقها؟
أما المعارضة السورية فخياراتها محدودة وصعبة، فهي تكرس وقتها وتتصرف بشكل احترافي في جنيف رغم محاولات المتكررة لإفساد العملية. فهي تخشى أن يستغل الأسد خروجها من المحادثات، للقيام – بدعم كامل من طهران وموسكو – باستئناف القصف المروع للمدنيين. وهم يأملون – دون أدنى ثقة – بأن يلتزم الغرب بقيمه ويحولها لأفعال ليساعد السوريين في الدفاع عن أنفسهم. فهم لا يتوقعون أي شيء حسن من جانب الأسد أو داعميه، كما أنهم للأسف لا يتوقعون شيئاً على الإطلاق من الغرب.
ربما يقوم الأسد بما يقوم به بموافقة كاملة من موسكو، أو أنه يتحدى بتصرفاته رغباتها. وبكلا الحالتين فالمطلوب هو استراتيجية جديدة للغرب تركز على حماية المدنيين في غرب سوريا وتدمير تنظيم داعش في شرقها. والواضح أن على السوريين وأصدقاء الولايات المتحدة أن يدفعوا ثمنا باهظاً حتى يصلوا إلى ذلك، في انتظار يوم 20 يناير 2017
كلنا شركاء